ما معنى الإستطاعة في قوله تعالى : و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
و في جواب رسول الله صلى الله عليه و سلم لما سأله جبريل عن أركان الإسلام فذكر : و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ؟
عنْ أَنَس رضي الله عنه قال:
قيل: يا رسُول الله ما السبيل؟
قال: "الزادُ والرَّاحلةُ"
قال الإمام الصنعاني : وقد ذهب إلى هذا التفسير أكثر الأمة فالزاد شرط مطلقاً والراحلة لمن داره على مسافة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك أن الله يقول: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.. رواه الترمذي.
والبيهقي من رواية الحارث عن علي، وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
ورواه البيهقي أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً.
قال الحافظ في التلخيص:
هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال العقيلي والدارقطني لا يصح فيه شيء قلت وله طرق. ثم ساق الحافظ طرقه عن أبي أمامة وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم ثم قال: وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة رواها سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال:
لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين. لفظ سعيد ولفظ البيهقي أن عمر قال:
ليمت يهودياً أو نصرانياً يقولها ثلاث مرات رجل مات ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله.
قلت: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلاً ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع.
انتهى.
فالإستطاعة النفقة المالية التي تمكنه من شراء ضروريات عيشه في الذهاب و الإياب مع ما يخلفه لأهله وقت غيابه مع راحلة تبلغه بيت الله الحرام إن كان موطنه بعيدا من الديار المقدسة فإن لم تكن له راحلة فالنفقة التي تمكنه من ركوب الراحلة ذهابا و إيابا ، و الراحلة في زماننا قد تكون الطائرة ، الباخرة ، الحافلة ، القطار ، السيارة ...
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم :
« كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ » رواه أحمد أبو داود.
وهو عند مسلم بلفظ : « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ »
قال بعض العلماء أن الإستطاعة هي : التقوى و استدلوا بقول الله تعالى في أيات الحج :
تزودوا فإن خير الزاد التقوى
قال الإمام الصنعاني رحمه الله ردا لهذا الرأي :
و أجيب بأنه غير مراد من الآية كما يدل سبب نزولها
قال الحافظ ابن كثير ـ باختصار ـ في قول الله تعالى : و تزودوا فإن خير الزاد التقوى ، قال رحمه الله تعالى :
عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس كَانَ نَاس يَحُجُّونَ بِغَيْرِ زَادٍ فَأَنْزَلَ اللَّه " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى "
وَأَمَّا حَدِيث وَرْقَاء فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ يَحْيَى بْن بِشْر عَنْ شَبَابَة وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي مَسْعُود أَحْمَد بْن الْفُرَات الرَّازِيّ وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْمَخْزُومِيّ عَنْ شَبَابَة عَنْ وَرْقَاء عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :
كَانَ أَهْل الْيَمَن يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَأَنْزَلَ اللَّه " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى " وَرَوَاهُ عَبْد بْن حُمَيْد فِي تَفْسِيره عَنْ شَبَابَة .
وَرَوَاهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث شَبَابَة وَرَوَى اِبْن جَرِير وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن عَبْد الْغَفَّار عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوَادهمْ رَمَوْا بِهَا وَاسْتَأْنَفُوا زَادًا آخَر فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْر الزَّاد التَّقْوَى " فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَزَوَّدُوا الدَّقِيق وَالسَّوِيق وَالْكَعْك وَكَذَا قَالَ اِبْن الزُّبَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : فَتَزَوَّدُوا الدَّقِيق وَالسَّوِيق وَالْكَعْك
انتهى
قال الإمام ابن الجوزي رحمه في تلبيس إبليس :
وقد لبس عَلَى قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد ، وظنوا أن هَذَا هو التوكل وهم عَلَى غاية الخطأ ، قَالَ رجل للإمام أَحْمَد بْن حنبل رَضِيَ اللَّهُ عنه : أريد أن أخرج إِلَى مكة عَلَى التوكل من غير زاد ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَد : فاخرج فِي غير القافلة ، قَالَ : لا إلا معهم ، قَالَ : فعلى جراب الناس توكلت ، فنسأل اللَّه أن يوفقنا