جاء في مجمع الأمثال ج 2 ص 134، 135. طبعة المكتبة العصرية
كلُّ فتاة بأبيها مُعجبةٌ:
يُضرَبُ في عُجْب الرَّجل برَهْطه وعشيرته، وأوَّلُ من قال ذلك العَجْفَاءُ بنت علْقمةَ السَّعدي؛ وذلك أنَّها وثلاث نسوة من قومها خرجْنَ فاتَّعَدْنَ بروضة يتحدَّثْنَ فيها، فوافَيْن بها ليلاً في قمرٍ زاهِر، وليلة طلْقةٍ ساكنة، وروضة مُعشِبة خَصْبة، فلمَّا جلسْن قلنَ:
ما رأينا كاللَّيلة ليلةً، ولا كهذه الرَّوضةِ روضةً، أطيب ريحًا ولا أنضرَ، ثمَّ أفَضْنَ في الحديث فقلنَ:
أيُّ النِّساء أفضلُ ؟
قالت إحداهنَّ: الخَرودُ الوَدودُ الوَلود،
قالتِ الأخرى: خيرهنَّ ذاتُ الغِناء وطيب الثَّناء، وشدَّة الحياء،
قالت الثالثةُ: خيرهنَّ السَّموع الجَموع النَّفوع، غير المنوع،
قالت الرَّابعةُ: خيرهنَّ الجامعة لأهلها الوادعة الرَّافعة، لا الواضعة،
قلْنَ:
فأيُّ الرِّجالِ أفضلُ؟
قالت إحداهنَّ: خيرهم الحَظِيُّ الرَّضيُّ غير الخظَّال (المُقتر المحاسب لأهله على ما ينفقه عليهم) ولا التِّنْبال،
قالت الثَّانية: خيرهم السيِّد الكريمُ، ذو الحسب العميم، والمجد القديم،
قالت الثالثة: خيرهم السَّخيُّ الوفيُّ الذي لا يُغِيرُ الحرَّة، ولا يتَّخذ الضرَّة،
قالت الرابعة: وأبيكنَّ إنَّ في أبي لنَعْتُكُنَّ؛ كرمُ الأخلاقِ، والصِّدقُ عند التَّلاق، والفلج عند السِّباق، ويحمده أهلُ الرِّفاق،
قالت العجفاء عند ذلك: كلُّ فتاة بأبيها مُعجبة. فذهبَتْ مثلاً.
وفي بعض الروايات أن إحداهنَّ
قالت: إن أبي يُكْرم الجار، ويعظم النار، وينْحر العِشَار، بعد الحوار، ويحل الأمور الكبار،
فقالت الثانية: إنَّ أبي أبي؛ عظيم الخطرِ، منيع الوَزَرِ، عَزيز النفر، يُحمد منه الوِرْدُ والصَّدَر،
فقالت الثالثة: إنَّ أبي صدوقُ اللِّسان، كثير الأعْوَان، يروي السِّنان، عند الطِّعان،
قالت الرَّابعة: إنَّ أبي كريم النِّزَال، مُنيف المقال، كثير النَّوَال، قليل السؤال، كريم الفعال،
ثم تنافَرْنَ إلى كاهنة معهنَّ في الحيِّ فقلنَ لها: اسمعي ما قلنا، واحكمي بيننا، واعدلي، ثم أعدْنَ عليها قولَهُن،
فقالت لهنَّ: كل واحدة منكنَّ ماردة، على الإحسان جاهدة، لصواحباتها حاسدة،
ولكن اسْمَعْنَ قولي:
خيرُ النساء المبقية على بَعْلها، الصَّابرة على الضَّراء؛ مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلَّقة، فهي تؤثر حظَّ زوجها على حظِّ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الجَواد البَطَل، القليل الفشل، إذا سأله رجلٌ ألفاه قليلَ العِلَل، كثيرَ النَّفَل،
ثمَّ قالتْ: كلُّ واحدةٍ منكنَّ بأبيها مُعْجَبَة.