اختر السورة


برنامج تلاوة القرآن الكريم
برنامج مراجعة القرآن الكريم
برنامج استظهار القرآن الكريم
يوم الجمعة 11 شوال 1445 هجرية
? ?? ?????? ?????? ???? ????? ?????? ?????? ???????? ??? ???????? ???? ??? ???? ???????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ??????? ???? ?????? . ????? ?????? ????? ?????? ???? ?????? ? ????? ?????? ????? ?????? ???? ??????????? ??????????? ???????

مواقع إسلامية

جمعية خيركم
منتدى الأصدقاء
مدونة إبراهيم
مدونة المهاجر

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اللهم صل و سلم على نبيك محمد و على آله و صحبه أجمعين

يحب

لحظة من فضلك



المواد المختارة

المدرسة العلمية :


Safha Test

بسم الله الرحمن الرحيم     السلام عليكم و رحمة الله و بركاته    مرحبا بك أخي الكريم مجددا في موقعك المفضل     المحجة البيضاء     موقع الحبر الترجمان الزاهد الورع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما    
فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني
المجلد الأول
كتاب بدء الوحي
باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
متابعة حديث هرقل
فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني

والترهيب بقوله: "فإن عليك " والدلالة بقوله: "يا أهل الكتاب " وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى، وكيف لا وهو كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.قوله: "فلما قال ما قال" يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة، ويحتمل أن يشير بذلك إلى القصة التي ذكرها ابن الناطور بعد، والضمائر كلها تعود على هرقل.والصخب: اللغط، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة، زاد في الجهاد: فلا أدري ما قالوا.قوله: "فقلت لأصحابي" زاد في الجهاد: حين خلوت بهم.قوله: "أمر" هو بفتح الهمزة وكسر الميم أي: عظم، وسيأتي في تفسير سبحان.وابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده، وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض، قال أبو الحسن النسابة الجرجاني: هو جد وهب جد النبي صلى الله عليه وسلم لأمه.وهذا فيه نظر، لأن وهبا جد النبي صلى الله عليه وسلم اسم أمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال، ولم يقل أحد من أهل النسب إن الأوقص يكنى أبا كبشة.وقيل: هو جد عبد المطلب لأمه، وفيه نظر أيضا لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد الخزرجي، ولم يقل أحد من أهل النسب إن عمرو بن زيد يكنى أبا كبشة.ولكن ذكر ابن حبيب في المجتبي جماعة من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه ومن قبل أمه كل واحد منهم يكنى أبا كبشة، وقيل هو أبوه من الرضاعة واسمه الحارث بن عبد العزي، قاله أبو الفتح الأزدي وابن ماكولا، وذكر يونس ابن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من قومه أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة يكنى بها.وقال ابن قتيبة والخطابي والدارقطني: هو رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان فعبد الشعري فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة، وكذا قاله الزبير، قال: واسمه وجز بن عامر بن غالب.قوله: "إنه يخافه" هو بكسر الهمزة استئنافا تعليليا لا بفتحها ولثبوت اللام في " ليخافه " في رواية أخرى.قوله: "ملك بني الأصفر" هم الروم، ويقال إن جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر، حكاه ابن الأنباري.وقال ابن هشام في التيجان: إنما لقب الأصفر لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب.قوله: "فما زلت موقنا" زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان " فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت " أخرجه الطبراني.قوله: "حتى أدخل الله على الإسلام" أي: فأظهرت ذلك اليقين، وليس المراد أن ذلك اليقين ارتفع.قوله: "وكان ابن الناطور" هو بالطاء المهملة.وفي رواية الحموي بالظاء المعجمة، وهو بالعربية حارس البستان.ووقع في رواية الليث عن يونس " ابن ناطورا " بزيادة ألف في آخره.فعلى هذا هو اسم أعجمي."تنبيه": الواو في قوله: "وكان " عاطفة، والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله فذكر الحديث، ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة، فهي موصولة إلى ابن الناطور لا معلقة كما زعم بعض من لا عناية له بهذا الشأن، وكذلك أغرب بعض المغاربة فزعم أن قصة ابن الناطور مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان عنه لأنه(1) لما رآها لا تصريح فيها بالسماع حملها على ذلك، وقد بين أبو نعيم في دلائل النبوة أن الزهري قال: لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان.وأظنه لم يتحمل عنه ذلك إلا بعد أن أسلم، وإنما وصفه بكونه كان سقفا لينبه على أنه كان مطلعا على أسرارهم عالما بحقائق أخبارهم، وكأن الذي جزم بأنه من رواية الزهري عن عبيد الله اعتمد على ما وقع في سيرة ابن إسحاق فإنه قدم قصة ابن الناطور هذه على حديث أبي سفيان، فعنده عن عبيد الله عن ابن عباس أن هرقل أصبح خبيث النفس، فذكر نحوه.وجزم الحفاظ بما ذكرته أولا، وهذا مما ينبغي أن يعد فيما وقع من الإدراج أول الخبر.والله أعلم.قوله: "صاحب إيلياء" أي: أميرها، هو منصوب على الاختصاص أو الحال، أو مرفوع على الصفة، وهي رواية أبي ذر، والإضافة التي فيه تقوم مقام التعريف.وقول من زعم أنها في تقدير
ـــــــ
(1) ن. خ: كأنه
(1/40)


الانفصال في مقام المنع، وهرقل معطوف على إيلياء، وأطلق عليه الصحبة له إما بمعنى اتبع، وإما بمعنى الصداقة، وفيه استعمال صاحب في معنيين مجازي وحقيقي، لأنه بالنسبة إلى إيلياء أمير وذاك مجاز، وبالنسبة إلى هرقل تابع وذلك حقيقة.قال الكرماني: وإرادة المعنيين الحقيقي والمجازي من لفظ واحد جائز عند الشافعي، وعند غيره محمول على إرادة معنى شامل لهما وهذا يسمى عموم المجاز.وقوله: "سقفا " بضم السين والقاف كذا في رواية غير أبي ذر، وهو منصوب على أنه خبر كان، و " يحدث " خبر بعد خبر.وفي رواية الكشميهني سقف بكسر القاف على ما لم يسم فاعله.وفي رواية المستملي والسرخسي مثله لكن بزيادة ألف في أوله، والأسقف والسقف لفظ أعجمي ومعناه رئيس دين النصارى، وقيل: عربي وهو الطويل في انحناء، وقيل: ذلك للرئيس لأنه يتخاشع.وقال بعضهم: لا نظير له في وزنه إلا الأسرب وهو الرصاص، لكن حكى ابن سيده ثالثا وهو الأسكف للصانع، ولا يرد الأترج لأنه جمع والكلام إنما هو في المفرد، وعلى رواية أبي ذر يكون الخبر الجملة التي هي: "يحدث أن هرقل"، فالواو في قوله: "وكان "عاطفة والتقدير عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، فذكر حديث أبي سفيان بطوله ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث.وهذا صورة الإرسال.قوله: "حين قدم إيلياء" يعني في هذه الأيام، وهي عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم، وكان ذلك في السنة التي اعتمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية، وبلغ المسلمين نصرة الروم على فارس ففرحوا.وقد ذكر الترمذي وغيره القصة مستوفاة في تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} ، وفي أول الحديث في الجهاد عند المؤلف الإمارة إلى ذلك.قوله: "خبيث النفس" أي: رديء النفس غير طيبها، أي مهموما.وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي " كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون، وأما في حق هرقل فغير ممتنع.وصرح في رواية ابن إسحاق بقولهم له: "لقد أصبحت مهموما".والبطارقة: جمع بطريق بكسر أوله وهم خواص دولة الروم.قوله: "حزاء" بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة أي كاهنا، يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن، وقوله: "ينظر في النجوم " إن جعلتها خبرا ثانيا صح لأنه كان ينظر في الأمرين، وإن جعلتها تفسيرا للأول فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم، وكان كل من الأمرين في الجاهلية شائعا ذائعا، إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم، وكان ما اطلع عليه هرقل من ذلك بمقتضى حساب المنجمين، أنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين(1) ببرج العقرب، وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلا أن تستوفى المثلثة بروجها في ستين سنة، فكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القرآن المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرت فتح مكة وظهور الإسلام، وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى.ومن جملة ما ذكروه أيضا أن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون، فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب، وأما اليهود فليسوا مرادا هنا لأن هذا لمن ينقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه.فإن قيل: كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه أحكامهم؟فالجواب: أنه لم يقصد ذلك، بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل أنسي أو جني، وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج.وقد قيل: إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة.وهذا إن ثبت فلا يلزم منه حصره في ذلك بل
ـــــــ
(1) ن. خ: العلوتين
(1/41)


اللائق بالسياق في حق هرقل ما تقدم.قوله: "ملك الختان" بضم الميم وإسكان اللام، وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام.قوله: "قد ظهر" أي: غلب، يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب، وهو كما قال، لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية، ومقدمة الظهور ظهور.قوله: "من هذه الأمة" أي: من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز، وهذا بخلاف قوله: بعد هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، فإن مراده به العرب خاصة، والحصر في قولهم إلا اليهود هو بمقتضى علمهم، لأن اليهود كانوا بإيلياء وهي بيت المقدس كثيرين تحت الذلة مع الروم، بخلاف العرب فإنهم وإن كان منهم من هو تحت طاعة ملك الروم كآل غسان لكنهم كانوا ملوكا برأسهم.قوله: "فلا يهمنك" بضم أوله، من أهم: أثار الهم.وقوله: "شأنهم " أي: أمرهم.و " مدائن ": جمع مدينة قال أبو علي الفارسي: من جعله فعليه من قولك مدن بالمكان أي: أقام به، همزه كقبائل، ومن جعله مفعلة من قولك دين أي: ملك، لم يهمز كمعايش.انتهى.وما ذكره في معايش هو المشهور، وقد روى خارجة عن نافع القارئ الهمز في معايش.وقال القزاز: من همزها توهمها من فعيلة لشبهها بها في اللفظ.انتهى.قوله: "فبينما هم على أمرهم" أي: في هذه المشورة.قوله: "أتى هرقل برجل" لم يذكر من أحضره.وملك غسان هو صاحب بصرى الذي قدمنا ذكره، وأشرنا إلى أن ابن السكن روى أنه أرسل من عنده عدي بن حاتم، فيحتمل أن يكون هو المذكور. والله أعلم.قوله: "عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم " فسر ذلك ابن إسحاق في روايته فقال: خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي، فقد اتبعه ناس، وخالفه ناس، فكانت بينهم ملاحم في مواطن، فتركتهم وهم على ذلك.فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم أن ذلك كان في أوائل ما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم.وفي رواية أنه قال: جردوه، فإذا هو مختتن، فقال: هذا والله الذي رأيته، أعطه ثوبه.قوله: "هم يختتنون" في رواية الأصيلي: "هم مختتنون " بالميم والأول أفيد وأشمل.قوله: "هذا ملك هذه الأمة قد ظهر" كذا لأكثر الرواة بالضم ثم السكون، وللقابسي بالفتح ثم الكسر، ولأبي ذر عن الكشميهني وحده يملك فعل مضارع، قال القاضي: أظنها ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ووجهه السهيلي في أماليه بأنه مبتدأ وخبر، أي هذا المذكور بملك هذه الأمة.وقيل يجوز أن يكون يملك نعتا، أي: هذا رجل بملك هذه الأمة.وقال شيخنا: يجوز أن يكون المحذوف هو الموصول على رأي الكوفيين، أي هذا الذي يملك، وهو نظير قوله: "وهذا تحملين طليق".على أن الكوفيين يجوزون استعمال اسم الإشارة بمعنى الاسم الموصول، فيكون التقدير: الذي يملك، من غير حذف، قلت: لكن اتفاق الرواة على حذف الياء في أوله دال على ما قال القاضي فيكون شاذا.على أنني رأيت في أصل معتمد وعليه علامة السرخسي بباء موحدة في أوله، وتوجيهها أقرب من توجيه الأول، لأنه حينئذ تكون الإشارة بهذا إلى ما ذكره من نظره في حكم النجوم، والباء متعلقة بظهر، أي هذا الحكم ظهر بملك هذه الأمة التي تختتن.قوله: "برومية" بالتخفيف، وهي مدينة معروفة للروم.وحمص مجرور بالفتحة منع صرفه للعلمية والتأنيث.ويحتمل أن يجوز صرفه. قوله: "فلم يرم" بفتح أوله وكسر الراء أي: لم يبرح من مكانه، هذا هو المعروف.وقال الداودي: لم يصل إلى حمص وزيفوه.قوله: "حتى أتاه كتاب من صاحبه" وفي حديث دحية الذي أشرت إليه قال: فلما خرجوا أدخلني عليه وأرسل إلي الأسقف وهو صاحب أمرهم فقال: هذا الذي كنا ننتظر، وبشرنا به عيسى، أما أنا فمصدقه ومتبعه.فقال له قيصر: أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي، فذكر القصة، وفي آخره: فقال لي الأسقف: خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه السلام وأخبره أني أشهد أن لا إله إ لا الله وأن محمدا رسول الله، وأني قد آمنت به وصدقته، وأنهم قد أنكروا علي ذلك
(1/42)


ثم خرج إليهم فقتلوه.وفي رواية ابن إسحاق أن هرقل أرسل دحية إلى ضغاطر الرومي وقال: إنه في الروم أجوز قولا مني، وإن ضغاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق، فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه.قال: فلما رجع دحية إلى هرقل قال له: قد قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا، فضغاطر كان أعظم عندهم مني.قلت: فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أبهم هنا، لكن يعكر عليه ما قيل: إن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية، وإنما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك، فالراجح أن دحية قدم على هرقل أيضا في الأولى، فعلى هذا يحتمل أن تكون وقعت لكل من الأسقف ومن ضغاطر قصة قتل كل منهما بسببها، أو وقعت لضغاطر قصتان إحداهما التي ذكرها ابن الناطور وليس فيها أنه أسلم ولا أنه قتل، والثانية التي ذكرها ابن إسحاق فإن فيها قصته مع دحية وأنه أسلم وقتل.والله أعلم.قوله: "وسار هرقل إلى حمص" لأنها كانت دار ملكه كما قدمناه، وكانت في زمانهم أعظم من دمشق.وكان فتحها على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة بعد هذه القصة بعشر سنين.قوله: "وأنه نبي" يدل على أن هرقل وصاحبه أقرا بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن هرقل كما ذكرنا لم يستمر على ذلك بخلاف صاحبه.قوله: "فأذن" هي: بالقصر من الإذن.وفي رواية المستملي وغيره بالمد ومعناه أعلم.و " الدسكرة " بسكون السين المهملة: القصر الذي حوله بيوت، وكأنه دخل القصر ثم أغلقه وفتح أبواب البيوت التي حوله وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها ثم اطلع عليهم فخاطبهم، وإنما فعل ذلك خشية أن يثبوا به كما وثبوا بضغاطر.قوله: "والرشد" فتحتين "وأن يثبت ملككم" لأنهم إن تمادوا على الكفر كان سببا لذهاب ملكهم، كما عرف هو ذلك من الأخبار السابقة.قوله: "فتبايعوا" بمثناة ثم موحدة، وللكشميهني بمثناتين وموحدة، وللأصيلي: "فنبايع " بنون وموحدة "لهذا النبي" كذا لأبي ذر وللباقين بحذف اللام.قوله: "فحاصوا" بمهملتين أي: نفروا، وشبههم بالوحوش لأن نفرتها أشد من نفرة البهائم الإنسية، وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة بل هم أضل.قوله: "وأيس" في رواية الكشميهني والأصيلي: "ويئس " بيائين تحتانيتين وهما بمعنى قنط والأول مقلوب من الثاني.قوله: "من الإيمان" أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لأنه شح بملكه كما قدمنا، وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلموا بإسلامهم، فما أيس من الإيمان إلا بالشرط الذي أراده، وإلا فقد كان قادرا على أن يفر عنهم ويترك ملكه رغبة فيما عند الله والله الموفق.قوله: "آنفا" أي: قريبا، وهو منصوب على الحال.قوله: "فقد رأيت" زاد في التفسير: فقد رأيت منكم الذي أحببت.قوله: "فكان ذلك آخر شأن هرقل" أي: فيما يتعلق بهذه القصة المتعلقة بدعائه إلى الإيمان خاصة لأنه انقضى أمره حينئذ ومات، أو أنه أطلق الآخرية بالنسبة إلى ما في علمه، وهذا أوجه، لأن هرقل وقعت له قصص أخرى بعد ذلك، منها ما أشرنا إليه من تجهيزه الجيوش إلى مؤتة ومن تجهيزه الجيوش أيضا إلى تبوك، ومكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم له ثانيا، وإرساله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهب فقسمه بين أصحابه كما في رواية ابن حبان التي أشرنا إليها قبل وأبي عبيد، وفي المسند من طريق سعيد بن أبي راشد التنوخي رسول هرقل قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية إلى هرقل، فلما جاءه الكتاب دعا قسيسي الروم وبطارقتها، فذكر الحديث، قال فتحيروا حتى إن بعضهم خرج من برنسه، فقال: اسكتوا، فإنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم.وروى ابن إسحاق عن خالد بن بشار(1) عن رجل من قدماء الشام: أن هرقل لما أراد الخروج من الشام إلى القسطنطينية عرض على الروم أمورا:إما الإسلام
ـــــــ
(1) ن. خ: خالد بن يسار
(1/43)


وإما الجزية، وإما أن يصالح النبي صلى الله عليه وسلم ويبقى لهم ما دون الدرب، فأبوا، وأنه انطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام ثم قال: السلام عليك أرض سورية - يعني الشام - تسليم المودع، ثم ركض حتى دخل القسطنطينية.واختلف الإخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه؟ والأظهر أنه هو.والله أعلم."تنبيه" لما كان أمر هرقل في الإيمان عند كثير من الناس مستبهما، لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل، ويحتمل أن يكون استمر على الشك حتى مات كافرا.وقال الراوي في آخر القصة: فكان ذلك آخر شأن هرقل، ختم به البخاري هذا الباب الذي استفتحه بحديث الأعمال بالنيات، كأنه قال إن صدقت نيته انتفع بها في الجملة، وإلا فقد خاب وخسر.فظهرت مناسبة إيراد قصة ابن الناطور في بدء الوحي لمناسبتها حديث الأعمال المصدر الباب به.ويؤخذ للمصنف من آخر لفظ في القصة براعة الاختتام، وهو واضح مما قررناه.فإن قيل: ما مناسبة حديث أبي سفيان في قصة هرقل ببدء الوحي؟ فالجواب أنها تضمنت كيفية حال الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الابتداء، ولأن الآية المكتوبة إلى هرقل للدعاء إلى الإسلام ملتئمة مع الآية التي في الترجمة وهي قوله تعالى: {إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} الآية.وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} الآية، فبان أنه أوحى إليهم كلهم أن أقيموا الدين، وهو معنى قوله تعالى: {سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية."تكميل" ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله، فامتنع.قلت: وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي قال: حدثني سيف الدين فليح المنصوري قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها، وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت، فقال لي: لأتحفنك بتحفة سنية، فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا.انتهى.ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد الذي أشرت إليه آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام فامتنع، فقال له: يا أخا تنوخ إني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير.وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ": أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية، ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال: مزق الله ملكه.ولما جاءه جواب هرقل قال: ثبت الله ملكه.والله أعلم.قوله: "رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهري" قال الكرماني يحتمل ذلك وجهين: أن يروي البخاري عن الثلاثة بالإسناد المذكور كأنه قال: أخبرنا أبو اليمان أخبرنا هؤلاء الثلاثة عن الزهري، وأن يروي عنهم بطريق آخر.كما أن الزهري يحتمل أيضا في رواية الثلاثة أن يروى لهم عن عبيد الله عن ابن عباس، وأن يروى لهم عن غيره.هذا ما يحتمل اللفظ، وإن كان الظاهر الاتحاد.قلت:
ـــــــ
(1) ن. خ: عبد الملك بن سعيد
(1/44)


هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإسناد.والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، وأما الاحتمال الأول فأشد بعدا لأن أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان ولا سمع من يونس، وهذا أمر يتعلق بالنقل المحض فلا يلتفت إلى ما عداه، ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية الثلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد، وقد أوضحت ذلك في كتابي تعليق التعليق وأشير هنا إليه إشارة مفهمة: فرواية صالح وهو ابن كيسان أخرجها المؤلف في كتاب الجهاد بتمامها، من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، وفيها من الفوائد الزوائد ما أشرت إليه في أثناء الكلام على هذا الحديث من قبل، ولكنه انتهى حديثه عند قول أبي سفيان: "حتى أدخل الله على الإسلام " زاد هنا: "وأنا كاره " ولم يذكر قصة ابن الناطور.وكذا أخرجه مسلم بدونها من حديث إبراهيم المذكور، ورواية يونس أيضا عن الزهري بهذا الإسناد أخرجها المؤلف في الجهاد مختصرة من طريق الليث، وفي الاستئذان مختصرة أيضا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه، ولم يسقه بتمامه، وقد ساقه بتمامه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث، وذكر فيه قصة ابن الناطور، ورواية معمر عن الزهري كذلك ساقها المؤلف بتمامها في التفسير، وقد أشرنا إلى بعض فوائد زائدة فيما مضى أيضا، وذكر فيه من قصة ابن الناطور قطعة مختصرة عن الزهري مرسلة.فقد ظهر لك أن أبا اليمان ما روى هذا الحديث عن واحد من الثلاثة، وأن الزهري إنما رواه لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله، وأن أحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان، ولو احتمل أن يرويه لهم أو لبعضهم عن شيخ آخر لكان ذلك اختلافا قد يفضي إلى الاضطراب الموجب للضعف، فلاح فساد ذلك الاحتمال، والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى الصواب لا إله إلا هو
(1/45)


عدد المشاهدات *:
373239
عدد مرات التنزيل *:
139824
حجم الخط :

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 18/04/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة

- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 18/04/2013

فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني

روابط تنزيل : متابعة حديث هرقل
 هذا رابط   لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
أرسل إلى صديق
. بريدك الإلكتروني :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
. بريد صديقك :   أدخل بريد إلكتروني صحيح من فضلك
اضغط هنا لتنزيل البرنامج / المادةاضغط هنا لتنزيل  متابعة حديث هرقل
اضغط هنا للطباعة طباعة
 هذا رابط  متابعة حديث هرقل لمن يريد استعماله في المواقع و المنتديات
يمكنكم استخدام جميع روابط المحجة البيضاء في مواقعكم بالمجان
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ.ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ.ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟قُلْتُ: لاَ.قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟قُلْتُ (1/31)
لاَ.قالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟قُلْتُ: لاَ.قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟قُلْتُ: لاَ.قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا.قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟قُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ. وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.وَسَأَلْتُكَ:أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ.وَسَأَلْتُكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ.وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ.وَسَأَلْتُكَ: بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ.سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى.أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ. فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ {وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (1/32)
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتْ الأَصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا.فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ.فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ. وَكَانَ ابْنُ النَّاطورِ - صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ - سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.قَالَ ابْنُ النَّاطورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ.فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ؟فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ.وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ. فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ.وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ.رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
الموضوع السابق
تبادل
فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني


@designer
1