دِحْيَة:كَانَ ابْنُ حَزْمٍ قَدْ بَرِصَ مِنْ أَكل اللُّبانَ، وَأَصَابه زَمَانة، وَعَاشَ ثنتين وَسَبْعِيْنَ سَنَةً غَيْر شَهْر.
قُلْتُ:وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللهُ - يَسْتَعْمَل اللُّبانَ لقُوَة الحِفْظ، فَولَّدَ لَهُ رَمْيَ الدَّم.(18/199)
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ العرِيف:كَانَ لِسَان ابْنِ حَزْمٍ وَسيفُ الحجَاجِ شقيقين.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان التركِي:قَالَ لِي الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّد - يَعْنِي:وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي - :
أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة، فَدَخَلَ المَسْجَدَ، فَجَلَسَ، وَلَمْ يَركع، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:قُمْ فَصلِّ تحيَّة المَسْجَد.
وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
(35/179)
قَالَ:فَقُمْتُ وَركعتُ، فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة، دَخَلْتُ المَسْجَد، فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع، فَقِيْلَ لِي:اجلس اجلس، لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة - وَكَانَ بَعْد العَصْر - قَالَ:فَانْصَرَفت وَقَدْ حَزِنْتُ، وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي رَبَّانِي:دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ.
قَالَ:فَقصدتُه، وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى، فَدلَّنِي عَلَى(مُوَطَّأ مَالِكٍ)، فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام، وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ العَرَبِي:صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب(الفصل)، وَهُوَ سِتُّ مُجَلَّدَات، وَقرَأَنَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب(الإِيصَال)أَرْبَع مُجَلَّدَات فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَع مائَة، وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ مجلداً، وَلِي مِنْهُ إِجَازَة غَيْرَ مَرَّةٍ.(18/200)
(35/180)
قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان:كَانَ ابْنُ حَزْمٍ - رَحِمَهُ اللهُ - حَامِل فُنُوْن مِنْ حَدِيْثٍ وَفقهٍ وَجَدَلٍ وَنَسَبٍ، وَمَا يَتعلَّق بِأَذِيَال الأَدب، مَعَ المُشَارَكَة فِي أَنْوَاع التَّعَالِيم القَدِيْمَة مِنَ المَنطق وَالفلسفَة، وَلَهُ كُتب كَثِيْرَة لَمْ يَخلُ فِيْهَا مِنْ غَلَطٍ لِجرَاءته فِي التَّسوُّر عَلَى الفُنُوْن لاَ سِيَّمَا المنطق، فَإِنَّهم زَعَمُوا أَنَّهُ زَلَّ هنَالك، وَضَلَّ فِي سُلُوْك المسَالك، وَخَالف أَرسطَاطَاليس وَاضِعَ الفن مُخَالَفَةَ مِنْ لَمْ يَفهم غَرَضَه، وَلاَ ارْتَاض، وَمَال أَوَّلاً إِلَى النَّظَر عَلَى رَأْي الشَّافِعِيّ، وَنَاضل عَنْ مَذْهَبه حَتَّى وُسِمَ بِهِ، فَاسْتُهْدِفَ بِذَلِكَ لَكَثِيْر مِنَ الفُقَهَاء، وَعِيْبَ بِالشُّذوذ، ثُمَّ عَدَل إِلَى قَوْل أَصْحَاب الظَّاهِر، فَنقَّحه، وَجَادَل عَنْهُ، وَثبتَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يحمل علمه هَذَا، وَيُجَادل عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اسْترسَالٍ فِي طِبَاعِهِ، وَمَذَلٍ بِأَسرَارِهِ، وَاسْتنَادٍ إِلَى العَهْد الَّذِي أَخَذَهُ الله عَلَى العُلَمَاءِ:{لتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُوْنَهُ}فَلَمْ يَكُ يُلَطِّفُ صَدْعَهُ بِمَا عِنْدَهُ بِتعرِيض وَلاَ بتدرِيج، بَلْ يَصكُّ بِهِ مَنْ عَارضَهُ صكَّ الجَنْدَل، وَيُنْشِقه إِنشَاق الخَرْدَل، فَتنفِرُ عَنْهُ القُلُوْبُ، وَتُوقع بِهِ النّدوب، حَتَّى اسْتُهْدِفَ لفُقَهَاء وَقته، فَتمَالؤُوا عَلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تضليلِهِ، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ، وَحَذَّرُوا سلاَطينهم مِنْ فِتنتهِ، وَنهوا عَوَامَّهم عَنِ الدنوِّ مِنْهُ، فَطفق المُلُوْك يُقصونه عَنْ قُربهم، وَيُسَيِّرُوْنَهُ عَنْ بلادِهِم إِلَى أَنِ انتهوا بِهِ مُنْقَطع أَثرِه:بلدة مِنْ بَادِيَة لَبْلَة.(18/201)
(35/181)
وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُرتدِع وَلاَ رَاجع، يَبُثُّ علمه فِيْمَنْ يَنْتَابه مِنْ بَادِيَة بلدِهِ، مِنْ عَامَّة المُقتبسينَ مِنْ أَصَاغِرِ الطَّلبَة، الَّذِيْنَ لاَ يَخشُوْنَ فِيْهِ المَلاَمَة، يُحَدِّثهُم، وَيُفَقِّههُم، وَيُدَارسهُم، حَتَّى كَمَلَ مِنْ مُصَنّفَاته وَقْرُ بعير، لَمْ يَعْدُ أَكْثَرُهَا بَادِيَتَه لزُهْد الفُقَهَاء فِيْهَا، حَتَّى لأُحْرِقَ بَعْضُهَا بِإِشبيلية، وَمُزِّقَتْ عَلاَنِيَةً، وَأَكْثَرُ معَايبه - زَعَمُوا عِنْد المنصَف - جَهلُه بسيَاسَة العِلْم الَّتِي هِيَ أَعوصُ...، وَتَخلُّفه عَنْ ذَلِكَ عَلَى قوَةِ سَبْحه فِي غِمَاره، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بِالسَّلِيم مِنِ اضطرَاب رَأيه، وَمغِيبِ شَاهد علمه عَنْهُ عِنْد لقَائِهِ، إِلَى أَنْ يُحَرَّكَ بِالسُّؤَال، فِيتفجَّر مِنْهُ بحرُ عِلْمٍ لاَ تُكَدِّرُهُ الدّلاَء، وَكَانَ مِمَّا يَزِيْدُ فِي شنآنه تَشيُّعه لأُمَرَاء بَنِي أُمَيَّةَ مَاضِيهم وَبَاقيهِم، وَاعْتِقَادُهُ لِصِحَّةِ إِمَامتهِم، حَتَّى لنُسب إِلَى النَّصْبِ.(18/202)
قُلْتُ:وَمِنْ تَوَالِيفه:كِتَاب(تَبديل اليَهُوْد وَالنَّصَارَى لِلتَّورَاة وَالإِنجيل)، وَقَدْ أَخَذَ المنطق - أَبعدَهُ الله مِنْ عِلمٍ - عَنْ:مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَذْحِجِيّ، وَأَمعَنَ فِيْهِ، فَزلزله فِي أَشيَاء، وَلِي أَنَا مَيْلٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ لمَحَبَّته فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْح، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أُوَافِقُهُ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا يَقولُهُ فِي الرِّجَالِ وَالعلل، وَالمَسَائِل البَشِعَةِ فِي الأُصُوْلِ وَالفروع، وَأَقطعُ بخطئِهِ فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ، وَلَكِن لاَ أُكَفِّره، وَلاَ أُضَلِّلُهُ، وَأَرْجُو لَهُ العفوَ وَالمُسَامحَة وَللمُسْلِمِيْنَ.
(35/182)
وَأَخضعُ لِفَرْطِ ذكَائِهِ وَسَعَة علُوْمِهِ، وَرَأَيْتهُ قَدْ ذَكَرَ قَوْل مَنْ يَقُوْلُ:أَجَلُّ المُصَنَّفَاتِ(المُوَطَّأ).
فَقَالَ:بَلْ أَوْلَى الكُتُب بِالتَّعَظِيْم(صَحيحَا)البُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَ(صَحِيْح ابْن السَّكَن)، وَ(مُنتقَى ابْن الجَارُوْدِ)، وَ(المنتقَى)لقَاسِم بن أَصْبَغ، ثُمَّ بَعْدَهَا كِتَاب أَبِي دَاوُدَ، وَكِتَاب النَّسَائِيّ، وَ(المصَنّف)لقَاسِم بن أَصْبَغ، (مصَنّف أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ).
قُلْتُ:مَا ذكر(سُنَن ابْنِ مَاجَه)، وَلاَ(جَامِع أَبِي عِيْسَى)؛فَإِنَّهُ مَا رَآهُمَا، وَلاَ أُدخِلا إِلَى الأَنْدَلُسِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ.(18/203)
ثُمَّ قَالَ:وَ(مُسْنَد البَزَّار)، وَ(مُسْنَد ابْنَي أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، وَ(مُسْنَد إِسْحَاق)، وَ(مُسْنَد)الطَّيَالِسِيّ، وَ(مُسْنَد)الحَسَن بن سُفْيَانَ، وَ(مُسْنَد ابْن سَنْجَر)، وَ(مُسْنَد عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ)المُسْنَدِي، وَ(مُسْنَد يَعْقُوْب بن شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ)، وَ(مُسْنَد ابْن أَبِي غَرَزَةَ).
(35/183)
وَمَا جرَى مجرَى هَذِهِ الكُتُب الَّتِي أُفْرِدَتْ لِكَلاَمِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِرْفاً، ثُمَّ الكُتُب الَّتِي فِيْهَا كلامُهُ وَكَلاَمُ غَيْره مِثْل(مصَنّف عَبْد الرَّزَّاقِ)، وَ(مُصَنَّف أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُصَنَّف بَقِيَ بن مَخْلَدٍ)، وَكِتَاب مُحَمَّد بن نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَكِتَاب ابْن المُنْذِرِ الأَكْبَر وَالأَصْغَر، ثُمَّ(مُصَنَّف حَمَّاد بن سَلَمَةَ)، و(مُوَطَّأ مَالِك بن أَنَسٍ)، وَ(موطَّأَ ابْن أَبِي ذِئْبٍ)، وَ(مُوَطَّأَ ابْن وَهْبٍ)، وَ(مُصَنَّف وَكِيْع)، وَ(مُصَنَّف مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الفِرْيَابِيّ)، وَ(مُصَنَّف سَعِيْد بن مَنْصُوْرٍ)، وَ(مَسَائِل أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، وَفقه أَبِي عُبَيْدٍ، وَفقه أَبِي ثَوْرٍ.
قُلْتُ:مَا أَنْصَفَ ابْنُ حَزْمٍ؛بَلْ رُتْبَة(المُوَطَّأ)أَنْ يُذكر تِلْوَ(الصَّحِيْحَيْنِ)مَعَ(سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ)، لَكنَّه تَأَدَّبَ، وَقَدَّمَ المُسْنَدَات النّبويَّة الصِّرْف، وَإِنَّ(لِلموطَّأ)لَوَقْعاً فِي النُّفُوْسِ، وَمَهَابَةً فِي القُلوب لاَ يُوَازِنهَا شَيْءٌ.
كَتَبَ إِلَيْنَا المُعَمَّر العَالِم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ مِنْ مدينَة تُونس عَام سَبْعِ مائَة، عَنْ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، عَنْ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيّ، أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ بن حَزْم كتب إِلَيْهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا قَاسِم بنُ أَصْبَغ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(الصَّوْمُ جُنَّةٌ).
(35/184)
أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجّ، عَنْ وَكِيْع.(18/204)
وَبِهِ:قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجسورِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي دُلِيم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاح، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرِ بن عَبْدِ اللهِ المُزَنِيّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ:(مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ).
فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَكَانَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْي، وَلَمْ يَحِلَّ.
وَبِهِ:قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ العُذْرِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن الحُسَيْنِ بنِ عقَالَ، حَدَّثَنَا عبيدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْم، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْد، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ جَمِيْعاً.
قَالَ بكر:فَحَدّثتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ:لَبَّى بِالحَجِّ وَحْدَهُ.
وَقَعَ لَنَا هَذَا فِي(مُسْنَد أَحْمَدَ)، فَأَنَا وَابْنُ حَزْمٍ فِيْهِ سَوَاء.(18/205)
وَبِهِ:إِلَى ابْنِ حَزْم فِيمَا أَحرق لَهُ المُعْتَضِدُ بنُ عَبَّادٍ مِنَ الكُتُب يَقُوْلُ:
(35/185)
فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي*تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي
يَسِيْرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي*وَيَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي
دَعُوْنِيَ مِنْ إِحْرَاقِ رَقٍ وَكَاغَدٍ*وَقُولُوا بِعِلْمٍ كِي يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدْرِي
وَإِلاَّ فَعُوْدُوا فِي المَكَاتِبِ بَدْأَةً*فَكَمْ دُوْنَ مَا تَبْغُونَ للهِ مِنْ سِتْرِ
كَذَاكَ النَّصَارَى يَحْرِقُوْنَ إِذَا عَلَتْ*أَكفُّهم القُرْآنَ فِي مُدُنِ الثَّغْرِ(18/206)
وَبِهِ لابْنِ حَزْم:
أُشْهِدُ اللهَ وَالمَلاَئِكَ أَنِّي*لاَ أَرَى الرَّأْيَ وَالمَقَايِيْسَ دِيْناً
حَاشَ للهِ أَنْ أَقُوْلَ سِوَى مَا*جَاءَ فِي النَّصِّ وَالهُدَى مُسْتَبِيْنَا
كَيْفَ يَخفَى عَلَى البَصَائِرِ هَذَا*وَهُوَ كَالشَّمْسِ شُهْرَةً وَيَقينَا
فَقُلْتُ مُجيباً لَهُ:
لَوْ سَلِمْتُم مِنَ العُمُومِ الَّذِي*نَعْلَمُ قَطْعاً تخصِيْصَهُ وَيَقِيْنَا
وَتَرَطَّبْتُمُ فَكَمْ قَدْ يَبِسْتُمْ*لَرَأَينَا لَكُم شُفُوَفاً مُبِيْنَا
وَلابْنِ حَزْم:
مُنَايَ مِنَ الدُّنْيَا علُوْمٌ أَبُثُّهَا*وَأَنْشُرُهَا فِي كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ
دُعَاءٌ إِلَى القُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي*تَنَاسَى رِجَالٌ ذِكْرُهَا فِي المحَاضِرِ
وَأَلزمُ أَطرَافَ الثُّغُوْرِ مُجَاهِداً*إِذَا هَيْعَةٌ ثَارَتْ فَأَوَّلُ نَافِرِ
لأَلْقَى حِمَامِي مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ*بِسُمْرِ العَوَالِي وَالرِّقَاقِ البَوَاتِرِ
كِفَاحاً مَعَ الكُفَّارِ فِي حَوْمَةِ الوَغَى*وَأَكْرَمُ مَوْتٍ لِلْفتى قَتْلُ كَافِرِ
فَيَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْ حِمَامِي بِغَيْرِهَا*وَلاَ تَجْعَلَنِّي مِنْ قَطِيْنِ المَقَابِرِ
وَمِنْ شِعْرِهِ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلاَّ مَا عَرَفْنَا وَأَدْرَكْنَا*فَجَائِعُهُ تَبقَى وَلَذَّاتُهُ تَفْنَى
(35/186)
إِذَا أَمْكَنَتْ فِيْهِ مَسَرَّةُ سَاعَةٍ*تَوَلَّتْ كَمَرِّ الطَّرْفِ وَاسْتَخْلَفَتْ حُزْنَا
إِلَى تَبِعَاتٍ فِي المَعَادِ وَمَوْقِفٍ*نَوَدُّ لَدِيْهِ أَنَّنَا لَمْ نَكُنْ كُنَّا
حَنِيْنٌ لِما وَلَّى وَشُغْلٌ بِمَا أَتَى*وَهم لَمَّا نَخْشَى فَعَيْشُكَ لاَ يَهْنَا
حَصَلْنَا عَلَى هَمٍّ وَإِثْمٍ وَحَسْرَةٍ*وَفَاتَ الَّذِي كُنَّا نَلَذُّ بِهِ عَنَّا
كَأنَّ الَّذِي كُنَّا نُسَرُّ بِكَوْنِهِ*إِذَا حَقَّقَتْهُ النَّفْسُ لَفْظٌ بِلاَ مَعْنَى(18/207)
وَلَهُ عَلَى سَبِيْل الدُّعَابَة - وَهُوَ يمَاشِي أَبَا عُمَر بن عبد البر - وَقَدْ رَأَى شَابّاً مَلِيحاً، فَأَعْجَب ابْنَ حَزْمٍ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ:لَعَلَّ مَا تَحْتَ الثِّيَاب لَيْسَ هُنَاكَ، فَقَالَ:
وَذِي عَذَلٍ فِيْمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ*يُطِيْلُ مَلاَمِي فِي الهَوَى وَيَقُوْلُ
أَمِنْ حُسْنِ وَجْهٍ لاَحَ لَمْ تَرَ غَيْرَهُ*وَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ الجِسْمُ أَنْتَ قَتِيْلُ؟
فَقُلْتُ لَهُ:أَسْرَفْتَ فِي اللَّوْمِ فَاتَّئِدْ*فَعِنْدِيَ رَدٌّ لَوْ أَشَاءُ طَوِيْلُ
أَلَمْ تَرَ أَنِّي ظَاهِرِيٌّ وَأَنَّنِي*عَلَى مَا بَدَا حَتَّى يَقومَ دَلِيْلُ(18/208)
أَنشدنَا أَبُو الفهم بن أَحْمَدَ السُّلَمِيّ، أَنشدنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنشدنَا ابْن البَطِّي، أَنشدنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، أَنشدنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ لِنَفْسِهِ:
لاَ تَشْمَتَنْ حَاسِدِي إِنْ نَكْبَةً عَرَضَتْ*فَالدَّهْرُ لَيْسَ عَلَى حَال بِمُتَّركِ
ذُو الفَضْلِ كَالتِّبْرِ طَوْراً تَحْتَ مَيْفَعَةٍ*وَتَارَةً فِي ذُرَى تَاجٍ عَلَى مَلِكِ
وَشعره فَحلٌ كَمَا تَرَى، وَكَانَ يُنظِمُ عَلَى البَدِيه، وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَنَا الشَّمْسُ فِي جُوِّ العُلُوْمِ مُنِيْرَةً*وَلَكِنَّ عَيْبِي أَنَّ مَطْلَعِي الغَرْبُ
(35/187)
وَلَوْ أَنَّنِي مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ طَالِعٌ*لَجَدَّ عَلَى مَا ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ
وَلِي نَحْوَ أَكْنَافِ العِرَاقِ صَبَابَةٌ*وَلاَ غَرْوَ أَنْ يَسْتَوحِشَ الكَلِفُ الصُّبُّ
فَإِنَّ يُنْزِلِ الرَّحْمَنُ رَحْلِيَ بَيْنَهُمْ*فَحِيْنَئِذٍ يَبْدُو التَأَسُّفُ وَالكَرْبُ
هُنَالِكَ يُدْرَى أَنَّ لِلْبُعْدِ قِصَّةٌ*وَأَنَّ كسَادَ العِلْمِ آفَتُهُ القُرْبُ(18/209)
وَلَهُ:
أَنَائِمٌ أَنْتَ عَنْ كتبِ الحَدِيْثِ وَمَا*أَتَى عَنِ المُصْطَفَى فِيْهَا مِنَ الدِّيْنِ كَمُسْلِمٍ وَالبُخَارِيّ الَّلذِيْنَ هُمَا*شَدَّا عُرَى الدِّيْنِ فِي نَقْلٍ وَتَبْيِينِ
أَوْلَى بِأَجْرٍ وَتعَظِيْمٍ وَمَحْمَدَةٍ*مِنْ كُلِّ قَوْلٍ أَتَى مِنْ رَأْي سُحْنُوْنِ
يَا مَنْ هَدَى بِهِمَا اجعَلْنِي كَمِثْلِهِمَا*فِي نَصْرِ دِيْنِكَ مَحْضاً غَيْرَ مَفْتُوْنِ
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي ترَاجم أَبْوَاب(صَحِيْح البُخَارِيّ):مِنْهَا مَا هُوَ مقصُوْرٌ عَلَى آيَة، إِذْ لاَ يَصِحُّ فِي البَابِ شَيْءٌ غَيْرهَا، وَمِنْهَا مَا يُنَبِّهُ بتبويبه عَلَى أَنَّ فِي البَابِ حَدِيْثاً يَجِبُ الوُقُوْفُ عَلَيْهِ، لَكنه لَيْسَ مِنْ شرط مَا أَلَّف عَلَيْهِ كِتَابهُ، وَمِنْهَا مَا يُبَوِّبُ عَلَيْهِ، وَيذكر نُبذَة مِنْ حَدِيْثِ قَدْ سَطَرَه فِي مَوْضِعٍ آخر، وَمِنْهَا أَبْوَاب تَقعُ بلفظ حَدِيْث لَيْسَ مِنْ شرطه، وَيَذكر فِي البَابِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.(18/210)
وَقَالَ فِي أَوَّلِ(الإِحكَام):أَمَّا بَعْدُ...فَإِنَّ اللهَ رَكَّبَ فِي النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّة قُوَىً مختلفَة، فَمِنْهَا عَدْلٌ يُزَيِّنُ لَهَا الإِنصَاف، وَيُحَبِّبُ إِلَيْهَا مُوَافِقَةَ الحَقّ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ}[النحل:90].
(35/188)
وَقَالَ:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ}[النِّسَاء:135]وَمِنْهَا غضبٌ وَشَهْوَةٌ يُزَيِّنَان لَهَا الجُور وَيَعمِيَانهَا عَنْ طَرِيْق الرشد، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ}[البَقَرَة:206].
وَقَالَ:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدِيْهِمْ فَرحُوْنَ}[الرُّوْم:32]فَالفَاضِل يُسَرُّ بِمَعْرِفَته، وَالجَاهِل يُسَرُّ بِمَا لاَ يَدْرِي حقيقَةَ وَجْهِهِ وَبِمَا فِيْهِ وَبَالُه، وَمِنْهَا فَهْمٌ يُليح لَهَا الحَقُّ مِنْ قَرِيْب، وَينِير لَهَا فِي ظلمَات المشكلاَت، فَترَى بِهِ الصَّوَابَ ظَاهِراً جَلِيّاً، وَمِنْهَا جَهْلٌ يَطْمِسُ عَلَيْهَا الطَّرِيْق، وَيُسَاوِي عِنْدَهَا بَيْنَ السُّبُل، فَتبقَى النَفْسُ فِي حَيْرَةٍ تَتردد، وَفِي رِيب تَتَلَدَّد، وَيَهْجُمُ بِهَا عَلَى أَحَد الطّرق المُجَانبَة لِلحق تَهَوُّراً وَإِقدَاماً، قَالَ تَعَالَى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعلمُوْنَ وَالَّذِيْنَ لاَ يَعلمُوْنَ}[الزُّمَر:9]وَمِنْهَا قُوَّةُ التّمِييز الَّتِي سمَّاهَا الأَوَائِلُ المنطقَ، فَجَعَلَ لَهَا خَالِقهَا بِهَذِهِ القُوَّة سَبيلاً إِلَى فَهم خِطَابِهِ، وَإِلَى مَعْرِفَة الأَشيَاء عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِلَى إِمَكَان التفهُم، فَبهَا تَكُوْن مَعْرِفَة الحَقّ مِنَ البَاطِل، وَمِنْهَا قُوَّةُ العَقْل الَّتِي تُعينُ النَفْس المُمَيِّزَة عَلَى نُصْرَة العَدْل، فَمَنِ اتَّبع مَا أَنَاره لَهُ العَقْلُ الصَّحِيْح، نَجَا وَفَاز، وَمِنْ عَاج عَنْهُ هَلَكَ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيْدٌ}[ق:37].
فَأَرَادَ بِذَلِكَ العَقْلَ، أَمَا مُضغَةُ القَلْب، فَهِيَ لِكُلِّ أَحَد، فَغَيْرُ العَاقل كَمَنْ لاَ قَلْبَ لَهُ.(18/211)
(35/189)
وَكَلاَمُ ابْن حَزْمٍ كَثِيْرٌ، وَلَوْ أَخذتُ فِي إِيرَادِ طُرَفِهِ وَمَا شَذَّ بِهِ، لطَال الأَمْر.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال الحَافِظ فِي(الصّلَة)لَهُ:قَالَ القَاضِي صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ:كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ حَزْمٍ بخطِّهِ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ بقُرْطُبَة فِي الجَانب الشَّرْقِيّ فِي رَبَضِ مُنية المُغِيْرَة، قَبْل طُلُوْع الشَّمْس آخِرَ لَيْلَة الأَرْبعَاء، آخرَ يَوْم مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، بطَالع العقرب، وَهُوَ اليَوْم السَّابِع مِنْ نُوَنْيِر.
قَالَ صَاعِد:وَنقُلْتُ مِنْ خط ابْنِهِ أَبِي رَافِعٍ، أَنْ أَبَاهُ تُوُفِّيَ عَشِيَّة يَوْم الأَحَد لِليلتين بقيتَا مِنْ شَعْبَانَ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَكَانَ عُمُره إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً - رَحِمَهُ اللهُ - .
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي مُحَمَّدٍ بن حَزْم:
لَمْ أَشْكُ صَدّاً وَلَمْ أُذْعِنْ بِهِجْرَانِ*وَلاَ شَعَرْتُ مَدَى دَهْرِي بِسُلْوَانِ
أَسْمَاءُ لَمْ أَدْرِ مَعْنَاهَا وَلاَ خَطَرَتْ*يَوْماً عَلِيَّ وَلاَ جَالَتْ بِمِيدَانِي
لَكِنَّمَا دَائِي الأَدوا الَّذِي عَصَفَتْ*عَلَيَّ أَرْوَاحُهُ قِدماً فَأَعْيَانِي
تَفَرَّقَ لَمْ تَزَلْ تَسْرِي طَوَارِقُهُ*إِلَى مَجَامِعَ أَحبَابِي وَخِلاَّنِي
كَأَنمَا البَيْنُ بِي يَأْتَمُّ حَيْثُ رَأَى*لِي مَذْهَباً فَهُوَ يَتْلُونِي وَيَغشَانِي
وَكُنْتُ أَحسبُ عِنْدِي لِلنوَى جَلَداً*دَاءٌ عَنَا فِي فؤَادِي شجوهَا العَانِي
فَقَابَلَتْنِي بِأَلوَانٍ غَدَوْتُ بِهَا*مقَابَلاً مِنْ صَبَابَاتِي بِأَلوَانِ
(18/212)
(35/190)
وَمِمَّنْ مَاتَ مَعَ ابْنِ حَزْم فِي السَّنَةِ:الحَافِظُ أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِي، وَالفَقِيْهُ أَبُو القَاسِمِ سِرَاجُ بنُ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ سِرَاج، قَاضِي الجَمَاعَة بقُرْطُبَة، وَالحَافِظ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ النَّخْشَبِيّ، وَشيخُ العَرَبِيَّة أَبُو القَاسِمِ عبدُ الوَاحِد بنُ عَلِيِّ بنِ بَرْهَان بِبَغْدَادَ، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ النَّرْسِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو سَعِيْدٍ محمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الخَشَّاب النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالوَزِيْرُ عَمِيْدُ المُلك مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُنْدُرِي.
وَلابْنِ حَزْم:
قَالُوا تَحَفَّظْ فَإِنَّ النَّاس قَدْ كَثُرَتْ*أَقْوَالُهم وَأَقَاويلُ الوَرَى مِحَنُ
فَقُلْتُ:هَلْ عَيْبُهم لِي غَيْر أَنِّي لاَ*أَقُوْلُ بِالرَّأْي إِذْ فِي رَأَيهِم فِتَنُ
وَأَنَّنِي مُوْلَعٌ بِالنَّصِّ لَسْتُ إِلَى*سِوَاهُ أَنَحْو وَلاَ فِي نَصْرِهِ أَهِنُ
لاَ أَنثنِي لمقَاييس يُقَالَ بِهَا*فِي الدِّيْنِ بَلْ حَسْبِيَ القُرْآن وَالسُّنَنُ
يَا بَرْدَ ذَا القَوْلِ فِي قَلْبِي وَفِي كَبِدِي*وَيَا سرُوْرِي بِهِ لَوْ أَنَّهم فَطنُوا
دَعْهُمْ يَعَضُّوا عَلَى صُمِّ الحَصَى كَمَداً*مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْله عِنْدِي لَهُ كَفَنُ(18/213)
قُلْتُ:وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللهُ - يَسْتَعْمَل اللُّبانَ لقُوَة الحِفْظ، فَولَّدَ لَهُ رَمْيَ الدَّم.(18/199)
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ العرِيف:كَانَ لِسَان ابْنِ حَزْمٍ وَسيفُ الحجَاجِ شقيقين.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان التركِي:قَالَ لِي الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّد - يَعْنِي:وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي - :
أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة، فَدَخَلَ المَسْجَدَ، فَجَلَسَ، وَلَمْ يَركع، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:قُمْ فَصلِّ تحيَّة المَسْجَد.
وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
(35/179)
قَالَ:فَقُمْتُ وَركعتُ، فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة، دَخَلْتُ المَسْجَد، فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع، فَقِيْلَ لِي:اجلس اجلس، لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة - وَكَانَ بَعْد العَصْر - قَالَ:فَانْصَرَفت وَقَدْ حَزِنْتُ، وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي رَبَّانِي:دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ.
قَالَ:فَقصدتُه، وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى، فَدلَّنِي عَلَى(مُوَطَّأ مَالِكٍ)، فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام، وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ العَرَبِي:صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام، وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب(الفصل)، وَهُوَ سِتُّ مُجَلَّدَات، وَقرَأَنَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب(الإِيصَال)أَرْبَع مُجَلَّدَات فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَع مائَة، وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ مجلداً، وَلِي مِنْهُ إِجَازَة غَيْرَ مَرَّةٍ.(18/200)
(35/180)
قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان:كَانَ ابْنُ حَزْمٍ - رَحِمَهُ اللهُ - حَامِل فُنُوْن مِنْ حَدِيْثٍ وَفقهٍ وَجَدَلٍ وَنَسَبٍ، وَمَا يَتعلَّق بِأَذِيَال الأَدب، مَعَ المُشَارَكَة فِي أَنْوَاع التَّعَالِيم القَدِيْمَة مِنَ المَنطق وَالفلسفَة، وَلَهُ كُتب كَثِيْرَة لَمْ يَخلُ فِيْهَا مِنْ غَلَطٍ لِجرَاءته فِي التَّسوُّر عَلَى الفُنُوْن لاَ سِيَّمَا المنطق، فَإِنَّهم زَعَمُوا أَنَّهُ زَلَّ هنَالك، وَضَلَّ فِي سُلُوْك المسَالك، وَخَالف أَرسطَاطَاليس وَاضِعَ الفن مُخَالَفَةَ مِنْ لَمْ يَفهم غَرَضَه، وَلاَ ارْتَاض، وَمَال أَوَّلاً إِلَى النَّظَر عَلَى رَأْي الشَّافِعِيّ، وَنَاضل عَنْ مَذْهَبه حَتَّى وُسِمَ بِهِ، فَاسْتُهْدِفَ بِذَلِكَ لَكَثِيْر مِنَ الفُقَهَاء، وَعِيْبَ بِالشُّذوذ، ثُمَّ عَدَل إِلَى قَوْل أَصْحَاب الظَّاهِر، فَنقَّحه، وَجَادَل عَنْهُ، وَثبتَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يحمل علمه هَذَا، وَيُجَادل عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اسْترسَالٍ فِي طِبَاعِهِ، وَمَذَلٍ بِأَسرَارِهِ، وَاسْتنَادٍ إِلَى العَهْد الَّذِي أَخَذَهُ الله عَلَى العُلَمَاءِ:{لتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُوْنَهُ}فَلَمْ يَكُ يُلَطِّفُ صَدْعَهُ بِمَا عِنْدَهُ بِتعرِيض وَلاَ بتدرِيج، بَلْ يَصكُّ بِهِ مَنْ عَارضَهُ صكَّ الجَنْدَل، وَيُنْشِقه إِنشَاق الخَرْدَل، فَتنفِرُ عَنْهُ القُلُوْبُ، وَتُوقع بِهِ النّدوب، حَتَّى اسْتُهْدِفَ لفُقَهَاء وَقته، فَتمَالؤُوا عَلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تضليلِهِ، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ، وَحَذَّرُوا سلاَطينهم مِنْ فِتنتهِ، وَنهوا عَوَامَّهم عَنِ الدنوِّ مِنْهُ، فَطفق المُلُوْك يُقصونه عَنْ قُربهم، وَيُسَيِّرُوْنَهُ عَنْ بلادِهِم إِلَى أَنِ انتهوا بِهِ مُنْقَطع أَثرِه:بلدة مِنْ بَادِيَة لَبْلَة.(18/201)
(35/181)
وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُرتدِع وَلاَ رَاجع، يَبُثُّ علمه فِيْمَنْ يَنْتَابه مِنْ بَادِيَة بلدِهِ، مِنْ عَامَّة المُقتبسينَ مِنْ أَصَاغِرِ الطَّلبَة، الَّذِيْنَ لاَ يَخشُوْنَ فِيْهِ المَلاَمَة، يُحَدِّثهُم، وَيُفَقِّههُم، وَيُدَارسهُم، حَتَّى كَمَلَ مِنْ مُصَنّفَاته وَقْرُ بعير، لَمْ يَعْدُ أَكْثَرُهَا بَادِيَتَه لزُهْد الفُقَهَاء فِيْهَا، حَتَّى لأُحْرِقَ بَعْضُهَا بِإِشبيلية، وَمُزِّقَتْ عَلاَنِيَةً، وَأَكْثَرُ معَايبه - زَعَمُوا عِنْد المنصَف - جَهلُه بسيَاسَة العِلْم الَّتِي هِيَ أَعوصُ...، وَتَخلُّفه عَنْ ذَلِكَ عَلَى قوَةِ سَبْحه فِي غِمَاره، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بِالسَّلِيم مِنِ اضطرَاب رَأيه، وَمغِيبِ شَاهد علمه عَنْهُ عِنْد لقَائِهِ، إِلَى أَنْ يُحَرَّكَ بِالسُّؤَال، فِيتفجَّر مِنْهُ بحرُ عِلْمٍ لاَ تُكَدِّرُهُ الدّلاَء، وَكَانَ مِمَّا يَزِيْدُ فِي شنآنه تَشيُّعه لأُمَرَاء بَنِي أُمَيَّةَ مَاضِيهم وَبَاقيهِم، وَاعْتِقَادُهُ لِصِحَّةِ إِمَامتهِم، حَتَّى لنُسب إِلَى النَّصْبِ.(18/202)
قُلْتُ:وَمِنْ تَوَالِيفه:كِتَاب(تَبديل اليَهُوْد وَالنَّصَارَى لِلتَّورَاة وَالإِنجيل)، وَقَدْ أَخَذَ المنطق - أَبعدَهُ الله مِنْ عِلمٍ - عَنْ:مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَذْحِجِيّ، وَأَمعَنَ فِيْهِ، فَزلزله فِي أَشيَاء، وَلِي أَنَا مَيْلٌ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ لمَحَبَّته فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْح، وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أُوَافِقُهُ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا يَقولُهُ فِي الرِّجَالِ وَالعلل، وَالمَسَائِل البَشِعَةِ فِي الأُصُوْلِ وَالفروع، وَأَقطعُ بخطئِهِ فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ، وَلَكِن لاَ أُكَفِّره، وَلاَ أُضَلِّلُهُ، وَأَرْجُو لَهُ العفوَ وَالمُسَامحَة وَللمُسْلِمِيْنَ.
(35/182)
وَأَخضعُ لِفَرْطِ ذكَائِهِ وَسَعَة علُوْمِهِ، وَرَأَيْتهُ قَدْ ذَكَرَ قَوْل مَنْ يَقُوْلُ:أَجَلُّ المُصَنَّفَاتِ(المُوَطَّأ).
فَقَالَ:بَلْ أَوْلَى الكُتُب بِالتَّعَظِيْم(صَحيحَا)البُخَارِيّ وَمُسْلِم، وَ(صَحِيْح ابْن السَّكَن)، وَ(مُنتقَى ابْن الجَارُوْدِ)، وَ(المنتقَى)لقَاسِم بن أَصْبَغ، ثُمَّ بَعْدَهَا كِتَاب أَبِي دَاوُدَ، وَكِتَاب النَّسَائِيّ، وَ(المصَنّف)لقَاسِم بن أَصْبَغ، (مصَنّف أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ).
قُلْتُ:مَا ذكر(سُنَن ابْنِ مَاجَه)، وَلاَ(جَامِع أَبِي عِيْسَى)؛فَإِنَّهُ مَا رَآهُمَا، وَلاَ أُدخِلا إِلَى الأَنْدَلُسِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ.(18/203)
ثُمَّ قَالَ:وَ(مُسْنَد البَزَّار)، وَ(مُسْنَد ابْنَي أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، وَ(مُسْنَد إِسْحَاق)، وَ(مُسْنَد)الطَّيَالِسِيّ، وَ(مُسْنَد)الحَسَن بن سُفْيَانَ، وَ(مُسْنَد ابْن سَنْجَر)، وَ(مُسْنَد عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ)المُسْنَدِي، وَ(مُسْنَد يَعْقُوْب بن شَيْبَةَ)، وَ(مُسْنَد عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ)، وَ(مُسْنَد ابْن أَبِي غَرَزَةَ).
(35/183)
وَمَا جرَى مجرَى هَذِهِ الكُتُب الَّتِي أُفْرِدَتْ لِكَلاَمِ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِرْفاً، ثُمَّ الكُتُب الَّتِي فِيْهَا كلامُهُ وَكَلاَمُ غَيْره مِثْل(مصَنّف عَبْد الرَّزَّاقِ)، وَ(مُصَنَّف أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ)، وَ(مُصَنَّف بَقِيَ بن مَخْلَدٍ)، وَكِتَاب مُحَمَّد بن نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَكِتَاب ابْن المُنْذِرِ الأَكْبَر وَالأَصْغَر، ثُمَّ(مُصَنَّف حَمَّاد بن سَلَمَةَ)، و(مُوَطَّأ مَالِك بن أَنَسٍ)، وَ(موطَّأَ ابْن أَبِي ذِئْبٍ)، وَ(مُوَطَّأَ ابْن وَهْبٍ)، وَ(مُصَنَّف وَكِيْع)، وَ(مُصَنَّف مُحَمَّد بن يُوْسُفَ الفِرْيَابِيّ)، وَ(مُصَنَّف سَعِيْد بن مَنْصُوْرٍ)، وَ(مَسَائِل أَحْمَد بن حَنْبَلٍ)، وَفقه أَبِي عُبَيْدٍ، وَفقه أَبِي ثَوْرٍ.
قُلْتُ:مَا أَنْصَفَ ابْنُ حَزْمٍ؛بَلْ رُتْبَة(المُوَطَّأ)أَنْ يُذكر تِلْوَ(الصَّحِيْحَيْنِ)مَعَ(سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ)، لَكنَّه تَأَدَّبَ، وَقَدَّمَ المُسْنَدَات النّبويَّة الصِّرْف، وَإِنَّ(لِلموطَّأ)لَوَقْعاً فِي النُّفُوْسِ، وَمَهَابَةً فِي القُلوب لاَ يُوَازِنهَا شَيْءٌ.
كَتَبَ إِلَيْنَا المُعَمَّر العَالِم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ مِنْ مدينَة تُونس عَام سَبْعِ مائَة، عَنْ أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي، عَنْ شُرَيْح بن مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيّ، أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ بن حَزْم كتب إِلَيْهِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَسْعُوْدٍ، أَخْبَرَنَا قَاسِم بنُ أَصْبَغ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :(الصَّوْمُ جُنَّةٌ).
(35/184)
أَخْرَجَهُ مُسْلِم، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجّ، عَنْ وَكِيْع.(18/204)
وَبِهِ:قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجسورِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي دُلِيم، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاح، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرِ بن عَبْدِ اللهِ المُزَنِيّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ:(مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ).
فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَكَانَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْي، وَلَمْ يَحِلَّ.
وَبِهِ:قَالَ ابْنُ حَزْمٍ:حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ العُذْرِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن الحُسَيْنِ بنِ عقَالَ، حَدَّثَنَا عبيدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ السَّقَطِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْم، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْد، حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ جَمِيْعاً.
قَالَ بكر:فَحَدّثتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ:لَبَّى بِالحَجِّ وَحْدَهُ.
وَقَعَ لَنَا هَذَا فِي(مُسْنَد أَحْمَدَ)، فَأَنَا وَابْنُ حَزْمٍ فِيْهِ سَوَاء.(18/205)
وَبِهِ:إِلَى ابْنِ حَزْم فِيمَا أَحرق لَهُ المُعْتَضِدُ بنُ عَبَّادٍ مِنَ الكُتُب يَقُوْلُ:
(35/185)
فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي*تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي
يَسِيْرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي*وَيَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي
دَعُوْنِيَ مِنْ إِحْرَاقِ رَقٍ وَكَاغَدٍ*وَقُولُوا بِعِلْمٍ كِي يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدْرِي
وَإِلاَّ فَعُوْدُوا فِي المَكَاتِبِ بَدْأَةً*فَكَمْ دُوْنَ مَا تَبْغُونَ للهِ مِنْ سِتْرِ
كَذَاكَ النَّصَارَى يَحْرِقُوْنَ إِذَا عَلَتْ*أَكفُّهم القُرْآنَ فِي مُدُنِ الثَّغْرِ(18/206)
وَبِهِ لابْنِ حَزْم:
أُشْهِدُ اللهَ وَالمَلاَئِكَ أَنِّي*لاَ أَرَى الرَّأْيَ وَالمَقَايِيْسَ دِيْناً
حَاشَ للهِ أَنْ أَقُوْلَ سِوَى مَا*جَاءَ فِي النَّصِّ وَالهُدَى مُسْتَبِيْنَا
كَيْفَ يَخفَى عَلَى البَصَائِرِ هَذَا*وَهُوَ كَالشَّمْسِ شُهْرَةً وَيَقينَا
فَقُلْتُ مُجيباً لَهُ:
لَوْ سَلِمْتُم مِنَ العُمُومِ الَّذِي*نَعْلَمُ قَطْعاً تخصِيْصَهُ وَيَقِيْنَا
وَتَرَطَّبْتُمُ فَكَمْ قَدْ يَبِسْتُمْ*لَرَأَينَا لَكُم شُفُوَفاً مُبِيْنَا
وَلابْنِ حَزْم:
مُنَايَ مِنَ الدُّنْيَا علُوْمٌ أَبُثُّهَا*وَأَنْشُرُهَا فِي كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ
دُعَاءٌ إِلَى القُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي*تَنَاسَى رِجَالٌ ذِكْرُهَا فِي المحَاضِرِ
وَأَلزمُ أَطرَافَ الثُّغُوْرِ مُجَاهِداً*إِذَا هَيْعَةٌ ثَارَتْ فَأَوَّلُ نَافِرِ
لأَلْقَى حِمَامِي مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ*بِسُمْرِ العَوَالِي وَالرِّقَاقِ البَوَاتِرِ
كِفَاحاً مَعَ الكُفَّارِ فِي حَوْمَةِ الوَغَى*وَأَكْرَمُ مَوْتٍ لِلْفتى قَتْلُ كَافِرِ
فَيَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْ حِمَامِي بِغَيْرِهَا*وَلاَ تَجْعَلَنِّي مِنْ قَطِيْنِ المَقَابِرِ
وَمِنْ شِعْرِهِ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلاَّ مَا عَرَفْنَا وَأَدْرَكْنَا*فَجَائِعُهُ تَبقَى وَلَذَّاتُهُ تَفْنَى
(35/186)
إِذَا أَمْكَنَتْ فِيْهِ مَسَرَّةُ سَاعَةٍ*تَوَلَّتْ كَمَرِّ الطَّرْفِ وَاسْتَخْلَفَتْ حُزْنَا
إِلَى تَبِعَاتٍ فِي المَعَادِ وَمَوْقِفٍ*نَوَدُّ لَدِيْهِ أَنَّنَا لَمْ نَكُنْ كُنَّا
حَنِيْنٌ لِما وَلَّى وَشُغْلٌ بِمَا أَتَى*وَهم لَمَّا نَخْشَى فَعَيْشُكَ لاَ يَهْنَا
حَصَلْنَا عَلَى هَمٍّ وَإِثْمٍ وَحَسْرَةٍ*وَفَاتَ الَّذِي كُنَّا نَلَذُّ بِهِ عَنَّا
كَأنَّ الَّذِي كُنَّا نُسَرُّ بِكَوْنِهِ*إِذَا حَقَّقَتْهُ النَّفْسُ لَفْظٌ بِلاَ مَعْنَى(18/207)
وَلَهُ عَلَى سَبِيْل الدُّعَابَة - وَهُوَ يمَاشِي أَبَا عُمَر بن عبد البر - وَقَدْ رَأَى شَابّاً مَلِيحاً، فَأَعْجَب ابْنَ حَزْمٍ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ:لَعَلَّ مَا تَحْتَ الثِّيَاب لَيْسَ هُنَاكَ، فَقَالَ:
وَذِي عَذَلٍ فِيْمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ*يُطِيْلُ مَلاَمِي فِي الهَوَى وَيَقُوْلُ
أَمِنْ حُسْنِ وَجْهٍ لاَحَ لَمْ تَرَ غَيْرَهُ*وَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ الجِسْمُ أَنْتَ قَتِيْلُ؟
فَقُلْتُ لَهُ:أَسْرَفْتَ فِي اللَّوْمِ فَاتَّئِدْ*فَعِنْدِيَ رَدٌّ لَوْ أَشَاءُ طَوِيْلُ
أَلَمْ تَرَ أَنِّي ظَاهِرِيٌّ وَأَنَّنِي*عَلَى مَا بَدَا حَتَّى يَقومَ دَلِيْلُ(18/208)
أَنشدنَا أَبُو الفهم بن أَحْمَدَ السُّلَمِيّ، أَنشدنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنشدنَا ابْن البَطِّي، أَنشدنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، أَنشدنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ لِنَفْسِهِ:
لاَ تَشْمَتَنْ حَاسِدِي إِنْ نَكْبَةً عَرَضَتْ*فَالدَّهْرُ لَيْسَ عَلَى حَال بِمُتَّركِ
ذُو الفَضْلِ كَالتِّبْرِ طَوْراً تَحْتَ مَيْفَعَةٍ*وَتَارَةً فِي ذُرَى تَاجٍ عَلَى مَلِكِ
وَشعره فَحلٌ كَمَا تَرَى، وَكَانَ يُنظِمُ عَلَى البَدِيه، وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَنَا الشَّمْسُ فِي جُوِّ العُلُوْمِ مُنِيْرَةً*وَلَكِنَّ عَيْبِي أَنَّ مَطْلَعِي الغَرْبُ
(35/187)
وَلَوْ أَنَّنِي مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ طَالِعٌ*لَجَدَّ عَلَى مَا ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ
وَلِي نَحْوَ أَكْنَافِ العِرَاقِ صَبَابَةٌ*وَلاَ غَرْوَ أَنْ يَسْتَوحِشَ الكَلِفُ الصُّبُّ
فَإِنَّ يُنْزِلِ الرَّحْمَنُ رَحْلِيَ بَيْنَهُمْ*فَحِيْنَئِذٍ يَبْدُو التَأَسُّفُ وَالكَرْبُ
هُنَالِكَ يُدْرَى أَنَّ لِلْبُعْدِ قِصَّةٌ*وَأَنَّ كسَادَ العِلْمِ آفَتُهُ القُرْبُ(18/209)
وَلَهُ:
أَنَائِمٌ أَنْتَ عَنْ كتبِ الحَدِيْثِ وَمَا*أَتَى عَنِ المُصْطَفَى فِيْهَا مِنَ الدِّيْنِ كَمُسْلِمٍ وَالبُخَارِيّ الَّلذِيْنَ هُمَا*شَدَّا عُرَى الدِّيْنِ فِي نَقْلٍ وَتَبْيِينِ
أَوْلَى بِأَجْرٍ وَتعَظِيْمٍ وَمَحْمَدَةٍ*مِنْ كُلِّ قَوْلٍ أَتَى مِنْ رَأْي سُحْنُوْنِ
يَا مَنْ هَدَى بِهِمَا اجعَلْنِي كَمِثْلِهِمَا*فِي نَصْرِ دِيْنِكَ مَحْضاً غَيْرَ مَفْتُوْنِ
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي ترَاجم أَبْوَاب(صَحِيْح البُخَارِيّ):مِنْهَا مَا هُوَ مقصُوْرٌ عَلَى آيَة، إِذْ لاَ يَصِحُّ فِي البَابِ شَيْءٌ غَيْرهَا، وَمِنْهَا مَا يُنَبِّهُ بتبويبه عَلَى أَنَّ فِي البَابِ حَدِيْثاً يَجِبُ الوُقُوْفُ عَلَيْهِ، لَكنه لَيْسَ مِنْ شرط مَا أَلَّف عَلَيْهِ كِتَابهُ، وَمِنْهَا مَا يُبَوِّبُ عَلَيْهِ، وَيذكر نُبذَة مِنْ حَدِيْثِ قَدْ سَطَرَه فِي مَوْضِعٍ آخر، وَمِنْهَا أَبْوَاب تَقعُ بلفظ حَدِيْث لَيْسَ مِنْ شرطه، وَيَذكر فِي البَابِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.(18/210)
وَقَالَ فِي أَوَّلِ(الإِحكَام):أَمَّا بَعْدُ...فَإِنَّ اللهَ رَكَّبَ فِي النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّة قُوَىً مختلفَة، فَمِنْهَا عَدْلٌ يُزَيِّنُ لَهَا الإِنصَاف، وَيُحَبِّبُ إِلَيْهَا مُوَافِقَةَ الحَقّ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ}[النحل:90].
(35/188)
وَقَالَ:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ}[النِّسَاء:135]وَمِنْهَا غضبٌ وَشَهْوَةٌ يُزَيِّنَان لَهَا الجُور وَيَعمِيَانهَا عَنْ طَرِيْق الرشد، قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ}[البَقَرَة:206].
وَقَالَ:{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدِيْهِمْ فَرحُوْنَ}[الرُّوْم:32]فَالفَاضِل يُسَرُّ بِمَعْرِفَته، وَالجَاهِل يُسَرُّ بِمَا لاَ يَدْرِي حقيقَةَ وَجْهِهِ وَبِمَا فِيْهِ وَبَالُه، وَمِنْهَا فَهْمٌ يُليح لَهَا الحَقُّ مِنْ قَرِيْب، وَينِير لَهَا فِي ظلمَات المشكلاَت، فَترَى بِهِ الصَّوَابَ ظَاهِراً جَلِيّاً، وَمِنْهَا جَهْلٌ يَطْمِسُ عَلَيْهَا الطَّرِيْق، وَيُسَاوِي عِنْدَهَا بَيْنَ السُّبُل، فَتبقَى النَفْسُ فِي حَيْرَةٍ تَتردد، وَفِي رِيب تَتَلَدَّد، وَيَهْجُمُ بِهَا عَلَى أَحَد الطّرق المُجَانبَة لِلحق تَهَوُّراً وَإِقدَاماً، قَالَ تَعَالَى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِيْنَ يَعلمُوْنَ وَالَّذِيْنَ لاَ يَعلمُوْنَ}[الزُّمَر:9]وَمِنْهَا قُوَّةُ التّمِييز الَّتِي سمَّاهَا الأَوَائِلُ المنطقَ، فَجَعَلَ لَهَا خَالِقهَا بِهَذِهِ القُوَّة سَبيلاً إِلَى فَهم خِطَابِهِ، وَإِلَى مَعْرِفَة الأَشيَاء عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَإِلَى إِمَكَان التفهُم، فَبهَا تَكُوْن مَعْرِفَة الحَقّ مِنَ البَاطِل، وَمِنْهَا قُوَّةُ العَقْل الَّتِي تُعينُ النَفْس المُمَيِّزَة عَلَى نُصْرَة العَدْل، فَمَنِ اتَّبع مَا أَنَاره لَهُ العَقْلُ الصَّحِيْح، نَجَا وَفَاز، وَمِنْ عَاج عَنْهُ هَلَكَ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيْدٌ}[ق:37].
فَأَرَادَ بِذَلِكَ العَقْلَ، أَمَا مُضغَةُ القَلْب، فَهِيَ لِكُلِّ أَحَد، فَغَيْرُ العَاقل كَمَنْ لاَ قَلْبَ لَهُ.(18/211)
(35/189)
وَكَلاَمُ ابْن حَزْمٍ كَثِيْرٌ، وَلَوْ أَخذتُ فِي إِيرَادِ طُرَفِهِ وَمَا شَذَّ بِهِ، لطَال الأَمْر.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال الحَافِظ فِي(الصّلَة)لَهُ:قَالَ القَاضِي صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ:كَتَبَ إِلَيَّ ابْنُ حَزْمٍ بخطِّهِ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ بقُرْطُبَة فِي الجَانب الشَّرْقِيّ فِي رَبَضِ مُنية المُغِيْرَة، قَبْل طُلُوْع الشَّمْس آخِرَ لَيْلَة الأَرْبعَاء، آخرَ يَوْم مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة، بطَالع العقرب، وَهُوَ اليَوْم السَّابِع مِنْ نُوَنْيِر.
قَالَ صَاعِد:وَنقُلْتُ مِنْ خط ابْنِهِ أَبِي رَافِعٍ، أَنْ أَبَاهُ تُوُفِّيَ عَشِيَّة يَوْم الأَحَد لِليلتين بقيتَا مِنْ شَعْبَانَ، سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَكَانَ عُمُره إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً - رَحِمَهُ اللهُ - .
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي مُحَمَّدٍ بن حَزْم:
لَمْ أَشْكُ صَدّاً وَلَمْ أُذْعِنْ بِهِجْرَانِ*وَلاَ شَعَرْتُ مَدَى دَهْرِي بِسُلْوَانِ
أَسْمَاءُ لَمْ أَدْرِ مَعْنَاهَا وَلاَ خَطَرَتْ*يَوْماً عَلِيَّ وَلاَ جَالَتْ بِمِيدَانِي
لَكِنَّمَا دَائِي الأَدوا الَّذِي عَصَفَتْ*عَلَيَّ أَرْوَاحُهُ قِدماً فَأَعْيَانِي
تَفَرَّقَ لَمْ تَزَلْ تَسْرِي طَوَارِقُهُ*إِلَى مَجَامِعَ أَحبَابِي وَخِلاَّنِي
كَأَنمَا البَيْنُ بِي يَأْتَمُّ حَيْثُ رَأَى*لِي مَذْهَباً فَهُوَ يَتْلُونِي وَيَغشَانِي
وَكُنْتُ أَحسبُ عِنْدِي لِلنوَى جَلَداً*دَاءٌ عَنَا فِي فؤَادِي شجوهَا العَانِي
فَقَابَلَتْنِي بِأَلوَانٍ غَدَوْتُ بِهَا*مقَابَلاً مِنْ صَبَابَاتِي بِأَلوَانِ
(18/212)
(35/190)
وَمِمَّنْ مَاتَ مَعَ ابْنِ حَزْم فِي السَّنَةِ:الحَافِظُ أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِي، وَالفَقِيْهُ أَبُو القَاسِمِ سِرَاجُ بنُ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ سِرَاج، قَاضِي الجَمَاعَة بقُرْطُبَة، وَالحَافِظ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ النَّخْشَبِيّ، وَشيخُ العَرَبِيَّة أَبُو القَاسِمِ عبدُ الوَاحِد بنُ عَلِيِّ بنِ بَرْهَان بِبَغْدَادَ، وَمُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ النَّرْسِيُّ، وَالمُحَدِّثُ أَبُو سَعِيْدٍ محمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الخَشَّاب النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالوَزِيْرُ عَمِيْدُ المُلك مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُنْدُرِي.
وَلابْنِ حَزْم:
قَالُوا تَحَفَّظْ فَإِنَّ النَّاس قَدْ كَثُرَتْ*أَقْوَالُهم وَأَقَاويلُ الوَرَى مِحَنُ
فَقُلْتُ:هَلْ عَيْبُهم لِي غَيْر أَنِّي لاَ*أَقُوْلُ بِالرَّأْي إِذْ فِي رَأَيهِم فِتَنُ
وَأَنَّنِي مُوْلَعٌ بِالنَّصِّ لَسْتُ إِلَى*سِوَاهُ أَنَحْو وَلاَ فِي نَصْرِهِ أَهِنُ
لاَ أَنثنِي لمقَاييس يُقَالَ بِهَا*فِي الدِّيْنِ بَلْ حَسْبِيَ القُرْآن وَالسُّنَنُ
يَا بَرْدَ ذَا القَوْلِ فِي قَلْبِي وَفِي كَبِدِي*وَيَا سرُوْرِي بِهِ لَوْ أَنَّهم فَطنُوا
دَعْهُمْ يَعَضُّوا عَلَى صُمِّ الحَصَى كَمَداً*مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْله عِنْدِي لَهُ كَفَنُ(18/213)

13679

0

* : عدد المشاهدات و التنزيل منذ 15/12/2013 ، هذا العدد لمجموع المواد المتعلقة بموضوع المادة
- تم تسجيل هذه المادة بالموقع بتاريخ : 15/12/2013