شيء من ترجمته
 
هو محمد الأمين بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور أبو عبد الله ويقال أبو موسى الهاشمى العباسي وأمه أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور كان مولده بالرصافة سنة سبعين ومائة قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا عياش بن هشام عن أبيه قال ولد محمد الأمين بن هارون الرشيد في شوال سنة سبعين ومائة وأتته الخلافة بمدينة السلام بغداد لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادي الآخرة سنة ثلاث وتسعين وقيل ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم وقتل سنة ثمان وتسعين ومائة قتله قريش الدنداني وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على ربح وتلا هذه الآية قل اللهم مالك الملك وكانت ولايته أربع سنين وسبعة أشهر وثمانية ايام وكان طويلا سمينا أبيض أقنى الأنف صغير العينين عظيم الكراديس بعيدا ما بين المنكبين وقد رماه بعضهم بكثرة اللعب والشرب وقلة الصلاة وقد ذكر ابن جرير طرفا من سيرته في إكثاره من
قتناء السودان والخصيان وإعطائه الأموال والجواهر وأمره باحضار الملاهي والمغنين من سائر البلاد وأنه أمر بعمل خمس حراقات على صورة الفيل والأسد والعقاب والحية والفرس وأنفق على ذلك أموالا جزيله جدا وقد امتدحه أبو نواس بشعر أقبح في معناه من صنيع الأمين فإنه قال في أوله
سخر الله للأمين مطايا * لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سرن برا * سار في الماء راكبا ليث غاب
ثم وصف كلا من تلك الحراقات واعتنى الأمين ببنايات هائلة للنزهة وغيرها وأنفق في ذلك أموالا كثيرة جدا فكثر النكير عليه بسبب ذلك
وذكر ابن جرير أنه جلس يوما في مجلس أنفق عليه مالا جزيلا في الخلد وقد فرش له بأنواع الحرير ونضد بآنية الذهب والفضة وأحضر ندماءه وأمر القهرمانة أن تهئ له مائة جارية حسناء وأمرها أن تبعثهن إليه عشرا بعد عشر يغننينه فلما جاءت العشر الأول اندفعن يغنين بصوت واحد
همو قتلوه كي يكونوا مكانه * كما غدرت بكسرى مرازبه
فغضب من ذلك وتبرم وضرب رأسها بالكأس وأمر بالقهرمانة أن تلقى إلى الأسد فأكلها
ثم استدعى بعشرة فاندفعن يغنين
من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه * يلطمن قبل تبلج الأسحار
فطردهن واستدعى بعشر غيرهن فلما حضرن اندفعن يغنين بصوت واحد
كليب لعمرى كان أكثر ناصرا * وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
فطردهن وقام من فوره وأمر بتخريب ذلك المجلس وتحريق مافيه
وذكر أنه كان كثير الأدب فصيحا يقول الشعر ويعطى عليه الجوائز الكثيرة وكان شاعره أبا نواس وقد قال فيه أبو نواس مدائح حسانا وقد وجده مسجونا في حبس الرشيد مع الزنادقة فأحضره وأطلقه وأطلق له مالا وجعله من ندمائه ثم حبسه مرة أخرى في شرب الخمر وأطال حبسه ثم أطلقه وأطلق له مالا وجعله من ندمائه ثم حبسه مرة أخرى في شرب الخمر وأطال حبسه ثم أطلقه وأخذ عليه العهد أن لا يشرب الخمر ولا يأتي الذكور من المردان فامتثل ذلك وكان لا يفعل شيئا من ذلك بعد ما استتابه بالأمين وقد تأدب على الكسائي وقرأ عليه القرآن وروى الخطيب من طريقه حديثا اورده عنه لما عزي في غلام له توفي بمكة فقال حدثنى أبي عن أبيه عن المنصور عن أبيه عن على بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات محرما حشر ملبيا
وقد قدمنا ما وقع بينه وبين أخيه من الاختلاف والفرقة حتى أفضى ذلك إلى خلعه وعزله ثم
إلى التضيق عليه ثم إلى قتله وأنه حصر في آخر أمره حتى احتاج إلى مصانعة هرثمة وأنه ألقى في حراقة ثم ألقي منها فسبح إلى الشط الآخر فدخل دار بعض العامة وهو في غاية الخوف والدهش والجوع والعرى فجعل الرجل يلقنه الصبر والاستغفار فاشتغل بذلك ساعة من الليل ثم جاء الطلب وراءه من جهة طاهر بن الحسين بن مصعب فدخلوا عليه وكان الباب ضيقا فتدافعوا عليه وقام إليهم فجعل يدافعهم عن نفسه بمخدة في يده فما وصلوا إليه حتى عرقبوه وضربوا رأسه أو خاصرته بالسيوف ثم ذبحوه وأخذوارأسه وجثته فأتوا بهما طاهرا ففرح بذلك فرحا شديدا وأمر بنصب الرأس فوق رمح هناك حتى أصبح الناس فنظروا اليه فوق الرمح عند باب الأنبار وكثر عدد الناس ينظرون إليه ثم بعث طاهر برأس الأمين مع ابن عمه محمد بن مصعب وبعث معه بالبردة والقضيب والنعل وكان من خوص مبطن فسلمه إلى ذي الرياستين فدخل به على المأمون على ترس فلما رآه سج وأمر لمن جاء به بألف ألف درهم وقد قال ذو الرياستين حين قدم الرأس يؤلب على طاهر أمرناه بأن يأتي به أسيرا فأرسل به إلينا عقيرا فقال المأمون مضى ما مضى وكتب طاهر إلى المأمون كتابا ذكر فيه صورة ما وقع حتى آل الحال إلى ما آل إليه
ولما قتل الأمين هدأت الفتن وخمدت الشرور وأمن الناس وطابت النفس ودخل طاهر بغداد يوم الجمعة وخطبهم خطبة بليغة ذكر فيها آيات كثيرة من القرآن وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأمرهم فيها بالجماعة والسمع والطاعة ثم خرج إلى معسكره فأقام به وأمر بتحويل زبيدة من قصر أبي جعفر إلى قصر الخلد فخرجت يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول من هذه السنة وبعث بموسى وعبد الله ابني الأمين إلى عمهما المأمون بخراسان وكان ذلك رأيا سديدا وقد وثب طائفة من الجند على طاهر بعد خمسة أيام من مقتل الأمين وطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده إذ ذاك مال فتحزبوا واجتمعوا ونهبوا بعض متاعه ونادوا يا موسى يا منصور واعتقدوا أن موسى بن الأمين الملقب بالناطق هناك وإذا هو قد سيره إلى عمه وانحاز طاهر بمن معه من القواد ناحية وعزم على قتالهم بمن معه ثم رجعوا إليه واعتذروا وندموا فأمر لهم برزق أربعة أشهر بعشرين ألف دينار اقترضها من بعض الناس فطابت الخواطر ثم إن إبراهيم بن المهدي قد أسف على قتل محمد الأمين بن زبيدة ورثاه بأبيات فبلغ ذلك المأمون فبعث إليه يعنفه ويلومه على ذلك وقد ذكر ابن جرير مراثي كثيرة للناس في الأمين وذكر من أشعار الذين هجوه طرفا وذكر من شعر طاهر بن الحسين حين قتله قوله
ملكت الناس قسرا واقتدوا * وقتلت الجبابرة الكبارا
ووجهت الخلافة نحو مرو * إلى المأمون تبتدر ابتدارا
خلافة عبد الله المأمون بن الرشيد هارون
لما قتل أخوه محمد في رابع صفر من سنة ثمان وتسعين ومائة وقيل في المحرم استوسقت البيعة شرقا وغربا للمأمون فولى الحسن بن سهل نيابة العراق وفارس والأهواز والكوفة والبصرة والحجاز واليمن وبعث نوابه إلى هذه هذه الأقاليم وكتب إلى طاهر بن الحسين أن ينصرف إلى الرقة لحرب نصر بن شبث وولاه نيابة الجزيرة والشام والموصل والمغرب وكتب إلى هرثمة بن أعين بنيابة خراسان وفيها حج بالناس العباس بن عيسى الهاشمي وفيها توفي سفيان بن عيينة وعبد الرحمن ابن مهدي ويحي القطان فهؤلاء الثلاثة سادة العلماء في الحديث والفقة وأسماء الرجال