بدء الشرح من علامات الإعراب
 

الدرس الخامس من سلسلة شرح المقدمة الآجرومية للشيخ حسن الحفظي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل لنا يا رب أمورنا، واغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا يا أرحم الراحمين.
لازلنا في مجالس العلم، ونتحدث في بعض أبواب الآجرومية، وقد وصلنا إلى بعض التفصيلات في علامات الإعراب، لأنه لما انتهى المصنف من ذكر أنواع الإعراب شرع الآن في علامات هذا الإعراب، كيف يكون الرفع؟ كيف يكون النصب؟ كيف يكون الجر؟ كيف يكون الجزم؟، وأحوال هذه الأمور بتفصيلٍ نوعًا ما، وسيفصله تفصيلا آخر في ما بعد، ولكننا سنمشي في التفصيل الأخير بإيجازٍ شديد إن شاء الله تعالى.
المصنف انتهى من بيان أن الاسم والفعل يشتركان في نوعين من أنواع الإعراب، هما الرفع والنصب، وأن الأفعال تختص بالجزم، وأن الأسماء تختص بالجر أو بالخفض كما هي عبارة الكوفيين، والآن بدأ يتحدث في معرفة علامات الإعراب فقال:
( باب معرفة علامات الإعراب:للرفع أربع علامات: الضمة، والواو، والألف، والنون )، هذه العلامات هي علامات الإعراب، وقبل أن نشرع في هذه التفاصيل لابد أن نعرف معرفةً يقينية غير منسية علامات الإعراب الأصلية، لأن ما سواها إنما هو علاماتٌ فرعية، فالعلامة الأصلية للرفع هي الضمة، والعلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، والعلامة الأصلية للخفض هي الكسرة، والعلامة الأصلية للجزم هي السكون، ويتفرع عن كل واحدة من هذه العلامات بعض الفروع، والمصنف قد بدأ في ذكر هذه الفروع، فبدأ بالعلامات التي تكون للرفع، ذكر أولا العلامة الأصلية منها، العلامة الأصلية للرفع هي الضمة، ويتفرع عنها -يعني يكون الرفع أحيانًا- بغير الضمة، ولكنه علامةٌ فرعيةٌ، فالضمة هي الأصلية، ويتفرع عنها أحيانًا الواو، قد تكون الكلمة مرفوعةً بالواو، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالألف، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالنون، هذه ثلاث علامات فرعية، والعلامة الأصلية هي الضمة.
ثم فصل المصنف فبيّن أن الضمة تكون في حالات، وأن الألف تكون في حالات، وأن الواو تكون في حالات، وأن النون تكون في حالات، فنتبين الآن إن شاء الله تعالى، قال المصنف رحمه الله ( فأما الضمةفتكون علامةً للرفع في أربعة مواضع: في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم، وفي الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ )، وهذا كلامٌ حقٌ، الضمة هي العلامة الأصلية، وتكون في المواضع الأربعة هذه التي نذكرها تباعًا.
أولا: الاسم المفرد، سواءٌ أكان معرفةً أم نكرة، مذكرًا أم مؤنثًا، فإن علامة الاسم المفرد هي الضمة، ولا تهتم وتظن أنه يقصد بالضمة غير الضمتين في حالة التنوين مثلا، لا، ليس هذا مقصوده، وإنما المقصود إن كانت الكلمة منصرفة فستكون طبعًا مع التنوين، بخاصة إذا لم تدخل عليها ال، وإن كانت غير منصرفة أو دخلت عليها ال فإنها ستكون بالضمة فقط، فنبدأ فنقول الضمة هي علامة للرفع في الاسم المفرد.
الاسم المفرد معروف طبعًا أنه ليس مثنًى ولا مجموع، وقوله ( الاسم ) يخرج الفعل والحرف، فإن الفعل لا شأن له في هذا الموضع، والحرف أيضًا كما قررنا أن الحروف كلها مبنية، قال صلى الله عليه وسلم ( المسلمُ أخو المسلم )، ( المسلمُ ) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو اسمٌ مفرد.
أما الموضع الثاني الذي يُرفع بالضمة فهو جمع التكسير، واعلموا بارك الله فيكم أن ما يدل على الجمع أنواع، منها جمع التكسير، منها جمع المذكر السالم، منها جمع المؤنث السالم، منها اسم الجمع، منها اسم الجنس الجمعي، هذه كلها تدل على الجموع، ولكل واحدٍ منها تعريف، فنبدأ بتعريف جمع التكسير الذي هو في بابنا الآن، ولا بأس أن نضم معه اسم الجنس الجمعي واسم الجمع لأن علامتهما أيضًا هي الضمة، فأما جمع التكسير فهو ما دلّ على أكثر من اثنين ولم يسلم مفرده من التغيير، لذلك سُمِّي
تكسيرًا لأن مفرده يتكسر، يتكسر بمعنى أنها تتغير حركاته أحيانًا، تتغير بعض الحروف فيه، ينقلب حرف إلى حرف، وهكذا، كلمة "رجل" جمعها "رجال"، كلمة "مسجد" جمعها "مساجد"، انظر بارك الله فيك إلى "رَجُل" الأول الراء مفتوحة والجيم مضمومة، ثم لما جمعتها قلتَ "رِجَال"، فتغيرت الحركة في الراء والجيم معناه أنه لم يسلم مفرده من التغيير، هذا هو جمع التكسير. "مَسْجِد" تقول في جمعه "مَسَاجِد"، تغيرت السكون إلى فتحة، وهكذا، فمادام لم يسلم مفرده من التغيير فهو جمع تكسير، ما علامة الرفع في
جمع التكسير سواءٌ أكان مصروفًا ككلمة "رجال" أم غير مصروف ككلمة "مساجد"؟ علامة رفعه هي الضمة، قد انتهينا من تعريفه.
ننتقل الآن إلى اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، أما اسم الجمع يا أيها الأحباب فإنه ما دل على أكثر من اثنين لكن لا مفرد له من لفظه، مثلا "نساء" مفردها "امرأة" لا مفرد له من لفظه، "قوم" مفرده "رجل"، "رهط" مفرده "واحد"، وهكذا، هذه كلها تُسمَّى بأسماء الجموع، وكلها علامة رفعها الضمة.
ننتقل إلى اسم الجنس الجمعي، اسم الجنس الجمعي يا أيها الأحباب هو أيضًا ما دل على أكثر من اثنين، ولكن يُفرَّق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، يعني التاء تكون في المفرد والجمع يكون خاليًا منها، وهذا هو الغالب فيه، تقول "شجر" هذا اسم جنس جمعي، مفرده "شجرة"، فيها تاء، تقول "تمر" مفرده "تمرة"، تقول "لبن" مفرده "لبنة"، "كلم" -كما مر بنا- مفرده "كلمة"، فإذا كان يُفرق بينه وبين واحده بالتاء، والتاء تكون في المفرد هذا يُسمى باسم الجنس الجمعي.
فيه نوع آخر من اسم الجنس الجمعي، هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بياء النسب في المفرد، تقول "عرب" و"عربي"، و"روم" و"رومي"، و"ترك" و"تركي"، المفرد فيه ياء النسب، والجمع ليست فيه ياء النسب، هذا كله يُسمى باسم الجنس الجمعي، وكذلك هذا النوع علامة إعرابه الضمة، وسواءٌ كان منونًا أم غير منونًا، الغالب فيه أن يكون منونًا إلا أن تدخل عليه "ال"، فإن "ال" والتنوين لا يجتمعان.
نعود مرة ثانية إلى جموع التكسير، أنبه إلى أنها نوعان، نوعٌ منها يُسمى جموع قلة، ونوعٌ منها يُسمَّى جموع كثرة، جموع القلة هذه تكون من الثلاثة إلى العشرة، وجموع الكثرة ما زاد على ذلك، وفي بعض الأحيان يحل جمع الكثرة محل جمع القلة لأنه لا يجود جمع قلة، أو بالعكس يحل جمع  القلة مكان جمع الكثرة لأنه لا يوجد جمع كثرة في هذا اللفظ.
المهم أن عندنا أربعة أوزان جموع قلة، وما عداها جموع كثرة، وقد أحصاها بعضهم فزادت على ثلاثين وزنًا –يعني جموع الكثرة-، أما جموع القلة فهي أربعة أوزان، جمعها ابن مالك في قوله:
أفعلة أفعل ثم فعلة        ثمة أفعال جموع قلة
"أفعلة" مثل "رغيف" و"أرغفة"، "أفعل" مثل "عبد" و"أعبد"، "أفعال" مثل "ثوب" و"أثواب" و"قفل" و"أقفال"، "فعلة" نحو "فتى" و"فتية"، هذه جموع القلة، ولم يسلم مفردها من التغيير.
أما جموع  الكثرة فهي أوزان كثيرة، مثل "مساجد"، مثل "رجال"، وأوزانها كثيرة، أربعة وثلاثون وزنًا، أوصلها بعضهم إلى هذا العدد، مثلا وزن "فُعْل" مثل "حُمر"، ووزن "فِعَل" مثل "كِسَر"، ووزن "فَعَلَة" مثل "سحرة"، ووزن "فعلى" كـ"جرحى"، ووزن "فُعَّل" كـ"صائم" و"صُوَّم"، وهكذا، هذه كلها جموع تكسير، وتدل على الكثرة.
ننتقل الآن إلى النوع الثالث مما يُرفع بالضمة، وهو جمع المؤنث السالم، وجمع المؤنث السالم بعضهم يُسميه تسميةً أحسن من هذه التسمية، وهو أن يُسمَّى بما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين، لماذا قلنا إنه أفضل؟ لأنه في بعض الأحيان ما يسلم مفرده من التغيير، وفي بعض الأحيان يجيء هذا الجمع جمعًا لغير مؤنث، مثلا تقول في "سجدة" يكون جمعها "سجدات"، "ركعة" "ركعات"، ما سلم مفرده من التغيير، تقول أيضًا في جمع "حُبلى" "حُبليَات" لم يسلم جمعه من التغيير، فكيف نسميه جمع مؤنثٍ سالمًا؟!، ما سمَّيناه جمع مؤنثٍ سالم، سميناه ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين.
وفي بعض الأحيان يكون هذا الجمع ليس جمعًا لمؤنث، يُقال "اسطبل" تجمعه على "اسطبلات"، وهو مذكر، تقول في جمع سرادق "سرادقات"، وهكذا، فإذًا الأوْلى أن يُسمَّى هذا ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين.
إذًا لماذا سماه بعض النحويين جمع مؤنث سالم؟ لأن الغالب فيه أن يكون جمعًا لمؤنث، وأن يكون سالمًا، "حسنة" "حسنات"، "درجة" "درجات"، سلم مفرده من التغيير، فهذا هو الغالب، ومن أجل هذا سُمِّي بهذه التسمية.
قال صلى الله عليه وسلم ( الظلم ظلماتٌ يوم القيامة )، "ظلمات" هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء مرفوعًا، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
انتهينا مما يُرفع بالضمة، وقلنا إنه أربعة مواضع، أولها الاسم المفرد، ثانيها جمع التكسير، ثالثها جمع المؤنث السالم، وبقي النوع الرابع.
والآن ننتقل إلى النوع الرابع وهو الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ، هو يريد بهذا الاستثناء أن يُخرج ما يُسمى بالأفعال الخمسة، الأفعال الخمسة يتصل بالفعل المضارع إما ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، وسيأتي بيانه إن شاء الله إذا وصلنا له، فهذا لم يتصل لا بألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة، هذا يُرفع بالضمة، وسواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم كانت الضمة مقدرة لا يضير، فتقول
"محمدٌ يشرب الماء"، وتقول "محمد يسقي جاره"، هذه ما ظهرت عليها الضمة، ولكنها مقدرة، لا يضير سواءٌ أكانت ظاهرة أم مقدرة، أسألكم سؤالا، هل ندخل في الفعل المضارع ما كان منونًا؟ ولماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
التنوين ليس من علامات الفعل.
أكمل الشيخ كلامه:
بارك الله فيك، صحيح، قلنا في الأسماء قبل قليل في جمع المؤنث السالم وفي اسم المفرد وفي جمع التكسير، قلنا إنه لا يمكن أن تكون منونة ويمكن أن تكون غير منونة، أما هنا فلا، ليس فيه تنوين، هذا هو الفعل المضارع، الفعل المضارع يُرفع بالضمة، سواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم مقدرة، بشرط ألا يتصل بآخره شيءٌ.
أحيانًا تتصل بآخره غير هذه الأشياء الثلاثة التي ذكرتها، وهي ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة، أحيانًا يتصل بآخره نون التوكيد، فحينئذٍ يكون مبنيًّا، أحيانًا يتصل بآخره نون النسوة، حينئذٍ يكون مبنيًّا، وسيتبين هذا فيما بعد إن شاء الله. المهم أن حق الفعل المضارع أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة، قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]، "يتربص" هنا فعل مضارع، ولم يسبقه لا ناصبٍ ولا جازم، ومع ذلك بُني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وكذلك قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَالصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: 32]، "يُسجن" هنا فعل مضارع، حقه أن يكون مرفوعًا لأنه لم يتقدم عليه لا ناصب ولا جازم، ومع ذلك جاء هنا مبنيًّا على الفتح، فالفعل المضارع –مرة أخيرة- حقه أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة فيُبنى على السكون، والحالة الثانية أن تتصل به نون التوكيد فيُبنى على الفتح.
وهذا آخر ما يُقال في العلامة الأولى التي ذكرها المصنف.
ننتقل الآن إلى قول المصنــــف في العلامة الثانيـــــة، وهي علامـــة فرعية للرفـع، وهي الواو ، قــال المصنــف ( وأما الواو فتكون علامةً للرفع في موضعين، في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة )، ثم عدد الأسماء الخمسة فقال ( وهي: أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مالٍ )، هذا هو العدد الذي ذكره المصنف من الأشياء التي تُرفع بالواو.
اعلم بارك الله فيك أن الواو علامة للرفع، ولكنها علامةٌ فرعية، وتكون في موضعين، الأول: في جمع المذكر السالم، والموضع الثاني: في الأسماء الستة أو في الأسماء الخمسة، بعضهم يجعلها ستة، وسنذكر هذا عند الحديث عنها، لكن الأصوب أنها خمسة أسماء فقط.
فنبدأ أولا بالحديث في جمع المذكر السالم، هذا حقه أن يكون جمعًا لمذكر، فلا يكون جمعًا لمؤنث، وثانيًا حقه أن يسلم مفرده من التغيير، تقول في جمع "مسلم" "مسلمون"، و"صالح" "صالحون"، و"زيد" "زيدون"، و"عمرو" "عمرون"، إلى آخره، هذا الجمع ليس كل كلمة تُجمع جمع مذكر سالم، بل لابد أن تجتمع ثلاثة أمور رئيسة، ثم يتفرع عنها بعد ذلك أمورٌ أخرى:
الشرط الأول: أن يكون لمذكر.
الشرط الثاني: أن يكون لعاقل.
الشرط الثالث: أن يكون خاليًا من التاء.
لمذكر يخرج به المؤنث، لعاقل يخرج به غير العاقل، مثلا عندك حصان سميته "سابقًا"، لا تجمعه فتقول "سابقون"، لا يجوز لأنه لغير عاقل، ثم عندك مثلا "طلحة" لا تجمعها على "طلحين" مثلا، وإنما تقول "طلحات"، "معاوية" "معاويات"، لمَ؟ لأنها مختومة بالتاء، فلابد من اجتماع ثلاثة أمور، الأول أن يكون لمذكر، الثاني أن يكون لعاقل، الثالث أن يكون خاليًا من التاء، وبعدها هذا فلابد أيضًا أن يكون إما علمًا غير مركب تركيبًا مزجيًا ولا تركيبًا إسناديًّا، مثلا "تأبط شرًّا" هذا علم، لا يجوز أن تجمعه جمع مذكرٍ سالم، إذًَا لكونه مركب تركيبًا إسناديًّا، مثلا معدي كرب هذا مركب تركيبًا مزجيًّا، لا يجوز أن تجمع جمع مذكرٍ سالم.
إذًا أن يكون إما علم غير مركبٍ تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًّا، وإما أن يكون وصفًا، المقصود بالوصف هنا اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعال التفضيل، وما شاكل ذلك، ولكن اشترطوا فيه شرطًا إضافيًّا أيضًا أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، "مسلم" ما تقول في مؤنثه؟ "مسلمة"، يصح أن تجمعه، "جريح" لا تستطيع أن تجمعه، لما؟ لأن جريح هذه مؤنثها "جريح"، إذًا "أفضل" و"أكبر" هل يجوز أن تجمعهما جمع مذكر سالمٍ؟ تقول نعم يجوز، ومؤنثه لا يقبل التاء لأن مؤنثه كبرى أو فضلى، تقول لأنه يدل على التفضيل، إذا دل على التفضيل ما فيه مانع، قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [آل عمران: 139]، "الأعلى" فجمع على "الأعلين"، إذًا لابد أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من تاء التأنيث، وأن يكون بعد هذا إما علم غير مركب تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًا، أو أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، فهذا هو الذي يُجمع جمع مذكر سالم.
ومن أجل هذه الشروط الكثيرة وجدناهم ألحقوا به عددًا كبيرًا من الألفاظ لأنهم وجدوها  تُرفع بالواو، وتُنصب وتُجر بالياء، فما هذه الأشياء التي ألحقوها؟ ألحقوا
مثلا "عالمون"، قالوا لأن مفرده "عالم"، والعالم كل ما سوى الله، ونحن قلنا قبل قليل أنه لابد أن يكون لعاقل، وكل ما سوى الله يكون فيه العاقل ويكون فيه غير العاقل، فما يمكن أن يكون الجمع أقل من المفرد، فقالوا هذا ملحقٌ بجمع المذكر السالم، "عشرون" وبابه، عشرون، ثلاثون أربعون إلى تسعين، هذه كلها ملحقة بجمع المذكر السالم، "وابلون" وهو المطر الغزير كذلك، "أهلون" كذلك، "أرضون" كذلك، "بنون" كذلك، "سنون" كذلك، كل هذه ملحقة بجمع المذكر السالم، تُرفع بالواو وتنصب وتجر بالياء، هذا هو جمع المذكر السالم بإيجاز.
بعضهم فيما أُلحق بجمع المذكر السالم يُجيز فيه غير أن يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، فيقول مثلا يجوز في "سنين" أن نعاملها معاملة "غسلين"، يعني نلزمها الياء ونجعل الحركات على آخرها، ومنه ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله ( اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف )، لكن لو قيل مثلا "سنينَ" لكان ملحقًا بجمع المذكر السالم، (كسنينِ يوسف ) لأنه تُحذف النون للإضافة، وهذه روايةٌ للحديث، لكن الحديث أيضًا له رواية أخرى تكون خارجة عن هذا المقياس، تكون مرفوعةً بالضمة ومنصوبة بالفتحة ومجرورة بالكسرة، هذه بعض اللغات الجائزة فيها، ولا نريد أن نطيل في هذا المبحث.
ننتقل الآن إلى الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، أما الأسماء الخمسة وقد مثلها المصنف بقو له، وهي: أبوك وأخوك وفوك وحموك، ثم قال وذو مالٍ، ولم يقول وذوك، ما لفتت انتباهكم يا إخواني، أنا أقول لكم لماذا؟ لأنهم يقولون إن الأصل في "ذو" ألا تُضاف إلى الضمير، أما بقية الأسماء الأخرى فإن إضافتها إلى الضمير أو غير الضمير واحد ما فيها إشكال، "أبو محمدٍ" أو"أبوك"، و"أبوهم" و"أبوك" إلى آخره، لكن هذه الأسماء الخمسة يُشترط لإعرابها بالواو رفعًا والألف نصبًا والياء جرًا أربعة شروط، لا يمكن أن تُعرب هذا الإعراب إلا إذا اجتمعت فيها أربعة شروط:
الشرط الأول: أن تكون مفردًا، فإن كانت مثناةً أعربت إعراب المثنى، تقول "جاء الأبوان"، ورأيت "الأبوين"، ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وإن كان جمعًا فإن كان جمع تكسير رفعته بالضمة، تقول "هؤلاء آباؤك"، "وآباء عليٍّ وإخوانه وأحماؤه" إلى آخره، وإن كان جمع مذكر سالم –وهذا قليلٌ- فإنه يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء.
الشرط الثاني: أن يكون مُكبَّرًا، فإن كان مصغرًا أُعرب بالحركات أيضًا، تقول "هذا أبيُّ عليٍّ"، "رأيتُ أُبيَّ عليٍّ"، و"مررت بأُبيِّ عليٍّ".
الشرط الثالث: أن يكون مضافًا، فإن لم يكن مضافًا بأن كان مقطوعًا عن الإضافة أو مفردًا فإنه يُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا أبٌ"، و"رأيتُ أبًا"، و"مررتُ بأبٍ" أو "نظرتُ إلى أبٍ"، قال الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ﴾ [يوسف: 78]، ﴿ أَبًا ﴾ اسم إن مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ولا تغتر بهذه الألف الموجودة في آخره، فإنها ألفٌ ناتجة عن تنوين الفتح.
الشرط الرابع والأخير: أن تكون الإضافة إلى غير ياء المتكلم، فإن مضافًا إلى ياء المتكلم أُعرب بحركاتٍ مقدرة على ما قبل الياء، قال الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾ [ص: 23]، "أخ" هنا حقها أن تكون مرفوعة، فلو كانت مستوفيةً للشروط لرفعت بالواو، ولكنها هنا مرفوعة بضمة مقدرة على ما قبل الياء منعًا من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
نعيد الشروط مرةً ثانيةً وأخيرة، يُشترط لإعراب الأسماء الستة بهذا الإعراب أربعة شروط:
1- أن تكون مفردةً.
2- أن تكون مكبرةً.
3- ثلاثة أن تكون مضافةً.
4- أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم.
يشترطون أيضًا في كلمة "فو" أن تكون خالية من الميم، فإن كانت الميم معها فإنها تُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا فمُه"، "رأيت فمَه"، و"نظرتُ إلى فمِه"، ويشترطون في "ذو" أيضًا أن تكون بمعنى "صاحب"، هل تكون ذو بغير معنى "صاحب"؟ نعم، تكون "ذو" على لغة الطائيين اسمًا موصولا مشتركًا، يعني يُطلق على المفرد والمثنى والمجموع كله بلفظٍ واحد، وعلى المذكر والمؤنث، تقول "جاء ذو أحبه" يعني الذي أحبه، و"جاء ذو أحبهما"، و"جاء ذو أحبهم"، وهكذا، فتكون واردةً للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع على لغة الطائيين، فإذا كانت بهذه اللغة فإنها لا تدخل معنا في بابنا، ولا تُرفع بالواو ولا تُنصب بالألف ولا تجر بالياء.
إذًا يُشترط في الأسماء الستة الشروط التي ذكرتها لكم، ويُضاف إليها شرطٌ خاصٌّ بـ"فو"، وشرطٌ آخر خاصٌّ بـ"ذو"، "ذو" أن تكون معنى "صاحب"، ولا يجوز أن تكون غير ذلك. هذه الأسماء فيها لغتان أخريان، لا بأس أن نذكرهما على وجه السرعة، يُجيزون في الأسماء الستة لغتين أخريين، اللغة الأولى إلزامها الألف في كل أحوالها، ويُسمونه بإعراب المقصور، تقول "هذا أباك"، و"رأيتُ أباك"، و"مررتُ بأباك"، ويستشهدون له بقول الشاعر "إن أباها وأبا أباها"، طبعًا الشاهد فيه الأخيرة "أباها"، لأنها في محل جر مضاف إليه، قالوا ألزموها الألف، هذه اللغة أشهر من اللغة التي ستأتي الآن.
اللغة الثالثة هذه تُسمَّى بلغة النقص، والمقصود بلغة النقص أن يُحذف الألف والواو والياء من آخر الاسم هذا المعرب إعراب الأسماء الستة، فيُعرب بحركاتٍ ظاهرة، فتقول "هذا أبُ محمدٍ"، و"رأيتُ أبَ محمدٍ"، و"مررتُ بأبِ محمدٍ"، لكن هذه اللغة قليلة، وليست جائزةً في كل الأسماء الستة، وإنما هي خاصَّة بثلاثة أسماء، وهي "الأب" و"الأخ" و"الحمو"، أما "فو" و"ذو" فلا تدخل فيها هذه اللغة، لا لغة القصر، ولا لغة النقص، هاتان اللغتان جائزتان في ثلاثة أسماء، هذا الذي أحببت أن أشير إليه.
ما شاهد لغة النقص؟ لغة النقص يعني الإعراب بالحركات، شاهدها قول الشاعر:
بأبِه اقتدى عديٌّ في الكرم        ومن يُشابه أبه فما ظلم
موضع الشاهد في "أبِه" الأولى و"أبَه"، فإنها هنا جرّت بالكسرة، وهنا نصبت بالفتحة.
ولا بأس أن نختم الحلقة باستقبال أسئلتكم إذا أرتم حتى ننتقل إلى موضوعٍ جديد في اللقاء القادم، إن كان عندكم أسئلة أو أنا أسأل.
سأل أحد الطلبة:
ما الاسم السادس؟
أجاب الشيخ:
الاسم السادس هو اسمٌ ترددتُ في قوله، ولم يذكره كثيرٌ من النحويين، وهو كلمة "هنو"، و"هنو" هذه يُكنَّى بها عما يُستقبح ذكره، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء القليل، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء الحقير، والغالب فيها أن تُعرب بالحركات الظاهرة، حتى لو كانت مستوفية للشروط، ولكن بعضهم جعلها داخلةً ضمن الأسماء الستة، فأعربها بالواو رفعًا وبالياء جرًا والألف نصبًا، لكن الغالب فيها أن تُعرب هذا الإعراب الذي ذكرته لك، وهو أن تكون اسمًا عاديًّا لا شأن لها، وكثيرٌ من النحويين لا يذكرون هذا الاسم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، ذكر المؤلف هنا قوله ( وحموكَ )، ومعروف أن الحمو هو قريب الزوج، فنقول "حموكِ"؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، سؤالٌ طيب وجيد، ودليلٌ على تنبهك، لأن الحقيقة أن الحمو هو قريب الزوج، وليس قريب الزوجة، يعني هذا هو المعروف في اللغة أن الحمو قريب الزوج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحمو الموت )، لما سُئل عن دخول الحمو على الزوجة، فهو في الأصل كما ذكرتُ، ولو حركت كلمة هذه جعلتها بالكسرة لكان أولى، وهذا سؤالٌ جيدٌ بارك الله فيك.
ما بقي عندكم أسئلة، أنا أسأل ولو سؤالا واحدًا إذا تمكنَّا إن شاء الله تعالى. ما الذي يُشترط لجمع الكلمة جمع مذكرٍ سالمًا؟
أجاب أحد الطلبة:
أن يكون لمذكر، وأن يكون لعاقل، وأن يكون خاليًا من تاء التأنيث، فإن كانت التاء موجودة جمعناه جمع مؤنثٍ سالم، حتى لو دل على مذكر ولعاقل، مثل "طلحة" أو "معاوية" فإننا نجمعهما جمع مؤنثٍ سالمًا.
سأل الشيخ:
أعطوني شيئًا مما ألحق بجمع المذكر السالم، يعني أُعرب إعرابه مع أنه غير مستوفي للشروط.
أجاب أحد الطلبة:
مثل كلمة بنون.
سأل الشيخ:
ما الذي ينقصها، نحن قلنا في الشروط أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من التاء، هذا مذكر وعاقل وخالي من التاء، فما الذي نقص من الشروط؟
ما سلم مفرده من التغيير، فيه شيء ثاني مهم جدًا، لأننا قلنا فيه شروط إضافية بعد هذا، قلنا أن يكون إما علمًا وإما وصفًا، وهذا ليس علمًا وليس وصفًا، يعني لا هو اسم فاعل ولا هو اسم مفعول ولا هو علم على شخصٍ بعينه.
هذا واحدٌ، تزيدوننا مما ألحق بجمع المذكر السالم، وهو كثير، عشرون وبابه، الثلاثون والأربعون والخمسون والستون إلى التسعين.
بقي شيءٌ مهمٌ جدًا نسيتُ أن أذكره، وهو أن مما أُلحق بجمع المذكر السالم ما سُمي به من هذا الجمع، مثلا تسمي واحدًا "زيدون"، وكما قال الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿18﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾ ﴾ [المطففين: 18، 19]، "عليُّون" هو اسمٌ لموضعٍ في أعلى الجنة، جعلنا الله وإيّاكم من أهلها، ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ جُرَّ بالياء، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴾ رُفع بالواو.
فيه عندنا إشكال هنا، لا سميت شخص بـ "زيدين"، فماذا تفعلون؟ أو سميت شخصًا بـ "زيدون"، فماذا تفعلوا فيه في الرفع والجر والنصب؟ في الحقيقة هم اختلفوا فيه، لعلنا إن شاء الله في لقائنا القادم نوضح لكم ذلك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.