فقه الإعتكاف
 

تحتوي هذه المادة على محاضرة عامة لفضيلة الشيخ إبراهيم بن محمد قاسم
حفظه الله في بيان فقه الإعتكاف ، التي طالما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يداوام عليها في رمضان و غيره


معنى الإعتكاف


الإعتكاف لزوم الشىء وحبس النفس عليه , خيراً كان أم شراً , قال تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء , أى مقيمون متعبدون لها , و المقصود به هنا لزوم المسجد و الإقامة فية بنية التقرب إلى الله عز و جل .


مشروعية الإعتكاف


أجمع العلماء على ان الإعتكاف مشروع , فقد كان النبى صلى الله عليه و سلم يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام , فلما كان العام الذى قُبض فية , إعتكف عشرين يوماً ::: رواة البخارى و او داود و ابن ماجة ::: ,, و قد اعتكف اصحابة و أزواجة معه و بعده , و هو و إن كان قربة , إلا انه لم يرد فى فضلة حديث صحيح ,, قال ابو داود : قلت لأحمد رحمه الله : تعرف فى فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال : لا إلا شيئاً ضعيفاً .


أقسام الإعتكاف


ينقسم الاعتكاف إلى مسنون و إلى واجب , فالمسنون ما تطوع به المسلم تقرباً لله عز و جل و طلباً لثوابة , و اقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم , و يتأكد ذلك فى العشر الأواخر من رمضان لما تقدم , و الاعتكاف الواجب ما اوجبة المرء على نفسة , إما بالنذر المطلق , مثل ان يقول : لله على ان اعتكف كذا , او بالنذر المعلق كقوله : إن شفا الله مريضى لأعتكفن كذا , و فى صحيح البخارى عن الرسول صلى الله عليه و سلم قال (( من نذر أن يطيع الله فليطعة )) و فية : ان عمر رضى الله عنه قال : يا رسول الله إنى نذرت أن اعتكف ليلة فى المسجد الحرام , فقال (( أوف بنذرك )) .


زمن الإعتكاف


الاعتكاف الواجب يؤدى حسب ما نذره و سماه الناذر , فإن نذر الاعتكاف يوماً أو أكثر وجب علية الوفاء بما نذره , و الاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد , فهو يتحقق بالمكث فى المسجد مع نية الاعتكاف , طال الوقت أم قصر و يثاب ما بقى فى المسجد , فإذا خرج منه ثم عاد إلية جدد النية إن قصد الإعتكاف , فعن يعلى بن أمية قال : إنى لأمكث فى المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف , و قال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فية , و إن جلس فى المسجد احتساب الخير فهو معتكف , و إلا فلا , و للمعتكف ان يقطع اعتكافة المستحب متى شاء , قبل قضاء المدة التى نواها , فعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه و سلم كان إذا اراد ان يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفة , و انه اراد مره ان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائة , فضرب قالت عائشة : فلما رأيت ذلك أمرت ببنائى فضُرب , و امر غيرى من ازواج النبى صلى الله عليه و سلم ببنائة فضُرب , فلما صلى الفجر نظر إلي الأبنية فقال : ما هذة ؟ البر تُردن ؟ قال : فأمر ببنائة فقوض , و أمر ازواجة بأبنيتهن فقوضت , ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول ( يعنى من شوال ) فأمر الرسول صلى الله عليه و سلم نساءة بتقويض أبنيتهن . و ترك الاعتكاف بعد نيته منهن دليل على قطعه بعد الشروع فية , و فى الحديث ان للرجل ان يمنع زوجتة من الاعتكاف بغير اذنة , و إلية ذهب عامة العلماء و اختلفوا فيما لو أذن لها , هل منعها بعد ذلك ؟ فعند الشافعى و أحمد وداود : له منعها و إخراجها من اعتكاف التطوع .


شروط الإعتكاف و أركانة


المعتكف يجب ان يكون مسلماً , ممميزاً طاهراً من الجنابة و الحيض و النفاس , فلا يصح من كافر ولا صبى غير مميز ولا جُنب و لا حائض ولا نفساء .


أركان الإعتكاف :-


حقيقة الاعتكاف المكث فى المسجد بنية التقرب إلى الله عز و جل , فلو لم يقع المكث فى المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف , اما وجوب النية فلقول الله عز و جل { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (5) سورة البينة , و لقول الرسول صلى الله عليه و سلم (( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل إمرىء ما نوى )) و أما أن المسجد لابد منه فلقول الله عز و جل { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (187) سورة البقرة , ووجة الاستدلال انه لو صح الاعتكاف فى غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف فى المسجد لأنها منافية للاعتكاف , فعلم أن المعنى بيان الاعتكاف إنما يكون فى المساجد .


صوم المعتكف


المعتكف و إن صام فحسن , و إن لم يصم فلا شىء علية , روى البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان عمر قال : يا رسول الله إنى نذرت فى الجاهلية أن اعتكف ليلة فى المسجد الحرام , فقال : أوف بنذرك , ففى امر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بالوفاء بالنذر دليل على أن الصوم ليس شرطاً فى صحة الاعتكاف , إذ انه لا يصح الصيام فى الليل , و روى سعيد بن منصور عن ابى سهل قال : كان على امرأة من أهلى اعتكاف , فسألت عمر بن عبد العزيز , قال : ليس عليها صيام , إلا أن تجعلة على نفسها , فقال الزهرى : لا اعتكاف إلا بصوم , فقال له عمر : عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : لا , فخرجت من عندة فلقيت عطائاً و طاوساً فسألتهما , فقال طاوس : كان فلان لا يرى عليها صياماً إلا ان تجعلة على نفسها , و قال عطاء : ليس عليها صيام إلا ان تجعلة على نفسها , قال الخطابى : و قد اختلف الناس فى هذا , فقال الحسن البصرى : إن اعتكف من غير صيام أجزأة , و إلية ذهب الشافعى , و روى عن على و ابن مسعود أنهما قالا : إن شاء صام و إن شاء أفطر , و قال الأوزاعى و مالك : لا اعتكاف إلا بصوم , و هو مذهب أهل الرأى , و روى ذلك عن ابن عمر , و ابن عباس , و عائشة , و هو قول سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و الزهرى .


ما يُستحب للمعتكف و ما يكره له


يستحب للمعتكف ان يُكثر من نوافل العبادات , و يشغل نفسة بالصلاه و تلاوة القرآن و التسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الاستغفار و الصلاه و السلام على النبى صلى الله عليه و سلم و الدعاء و نحوذلك من الطاعات و العبادات التى تقرب العبد من ربه عز و جل , و يمكنه ايضاً القرائة فى كتب التفسير او الحديث و غيرها او الجلوس فى حلق الذكر و العلم , و يستحب له ان يأخذ صحن فى المسجد اقتداء بالنبى صلى الله عليه و سلم ,,,, و يُكره له ان يشغل نفسة بشىء غير العبادات و الطاعة مثل الكلام فى غير المفيد او العمل فى شىء غير الطاعات و يُكره له الامساك عن الكلام ظناُ له ان ذلك يقربه من الله عز و جل , فقد روى البخارى و ابن ماجة و ابو داود عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : بينما النبى صلى الله عليه و سلم يخطب , إذا هو برجل قائم فسأل عنه , فقالوا : أبو اسرائيل , نذر أن يقوم و لا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم , فقال النبى صلى الله عليه و سلم (( مُره فليتكلم و ليستظل و ليقعد و لُيتم صومة )) و روى ابو داود عن على رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال (( لا يُتم بعد احتلام و لاصُمات يوم إلى الليل ))


 

السلسلة الرمضانية