بَاب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ
 
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ
(10/527)

6131- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ "أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" .
6132- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِداً لِمَخْرَمَةَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: "قَدْ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ" قَالَ أَيُّوبُ بِثَوْبِهِ وَأَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ". رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ".
قوله: "باب المداراة مع الناس" هو بغير همز، وأصله الهمز لأنه من المدافعة، والمراد به الدفع برفق. وأشار المصنف بالترجمة إلى ما ورد فيه على غير شرطه واقتصر على إيراد ما يؤدي معناه، فمما ورد فيه صريحا لجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مداراة الناس صدقة" أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط، وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في "آداب الحكماء" بسند أحسن منه، وحديث أبي هريرة "رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس" أخرجه البزار بسند ضعيف. قوله: "ويذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر" بالكاف الساكنة وكسر المعجمة. قوله: "في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم" كذا للأكثر بالعين المهملة واللام الساكنة والنون، وللكشميهني بالقاف الساكنة قيل اللام المكسورة ثم تحتانية ساكنة من القلا بكسر القاف مقصور وهو البغض، وبهذه الرواية جزم ابن التين، ومثله في تفسير المزمل من "الكشاف". وهذا الأثر وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" والدينوري في "المجالسة" من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء فذكر مثله وزاد: "ونضحك إليهم" وذكره بلفظ اللعن ولم يذكر الدينوري في إسناده جبير بن نفير، ورويناه في "فوائد أبو بكر بن المقري" من طريق كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي الدرداء قال: "إنا لنكشر أقواما" فذكر مثله وهو منقطع، وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" من طريق خلف بن حوشب قال قال أبو الدرداء فذكر اللفظ المعلق سواء، وهو منقطع أيضا والكشر بالشين المعجمة وفتح أوله ظهور الأسنان، وأكثر ما يطلق عند الضحك، والاسم الكشرة كالعشرة قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة. وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المدارة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنه معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا
(10/528)

احتيج إلى تألفه ونحو ذلك. حديث عائشة "استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة" وقد تقدم بيان موضع شرحه في "باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد"، والنكتة في إيراده هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة. وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسل نحو حديث عائشة وفيه: "فقال: إنه منافق أداريه عن نفاقه، وأخشى أن يفسد على غيره". حديث المسور بن مخرمة "قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية" وفيه قصة أبيه مخرمة وقد تقدم شرحه في كتاب اللباس؛ ووقع في هذه الطريق "وكان في خلقه شيء" وقد رمز البخاري بإيراده عقب الحديث الذي قبله بأنه المبهم فيه كما أشرت إلى ذلك قبل، ووقع في رواية مسروق عن عائشة "مر رجل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بئس عبد الله وأخو العشيرة، ثم دخل عليه فرأيته أقبل عليه بوجهه كأن له عنده منزلة". أخرجه النسائي. وشرح ابن بطال الحديث على أن المذكور كان منافقا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالحكم بما ظهر، لا بما يعلمه في نفس الأمر، وأطال في تقرير ذلك، ولم يقل أحد في المبهم في حديث عائشة أنه كان منافقا لا مخرمة بن نوفل ولا عيينة بن حصن، وإنما قيل في مخرمة ما قيل لما كان في خلقه من الشدة فكان لذلك في لسانه بذاءة، وأما عيينة فكان إسلامه ضعيفا وكان مع ذلك أهوج فكان مطاعا في قومه كما تقدم، والله أعلم. وقوله في هذه الرواية: "فلما جاءه قال خبأت هذا لك" وفي رواية الكشميهني: "قد خبأت" وقوله: "قال أيوب" هو موصول بالسند المذكور، وقوله: "بثوبه وأنه يريه إياه" والمعنى أشار أيوب بثوبه ليرى الحاضرين كيفية ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند كلامه مع مخرمة، ولفظ القول يطلق ويراد به الفعل، وقوله: "رواه حماد بن زيد عن أيوب " تقدم موصولا في " باب فرض الخمس " وصورته مرسل أيضا. قوله: "وقال حاتم بن وردان الخ" أراد بهذا التعليق بيان وصل الخبر، وأن رواية ابن علية وحماد وإن كانت صورتهما الإرسال لكن الحديث في الأصل موصول، وقد مضى بيان وصل رواية حاتم هذه في الشهادات.
(10/529)