بَاب الْخِتَانِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ
 
6297- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ"
6298- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ مُخَفَّفَةً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ بِالْقَدُّومِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مُشَدَّدٌ"
6299- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ "سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ قَالَ وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ "
6300- وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا خَتِينٌ"
قوله: "باب الختان بعد الكبر" بكسر الكاف وفتح الموحدة. قال الكرماني: وجه مناسبة هذه الترجمة بكتاب الاستئذان أن الختان يستدعي الاجتماع في المنازل غالبا. قوله: "الفطرة خمس" تقدم شرحه في أواخر كتاب اللباس، وكذلك حكم الختان. واستدل ابن بطال على عدم وجوبه بأن سلمان لما أسلم لم يؤمر بالاختتان، وتعقب باحتمال أن يكون ترك لعذر أو لأن قصته كانت قبل إيجاب الختان أو لأنه كان مختتنا. ثم لا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع، وقد ثبت الأمر لغيره بذلك. قوله: "اختتن إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين سنة" تقدم بيان ذلك والاختلاف في سنة حين اختتن وبيان قدر عمره في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام، وذكرت هناك أنه وقع في الموطأ من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا على أبي هريرة أن إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة، واختتن بالقدوم، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، ورويناه.
(11/88)

في "فوائد ابن السماك" من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعا، وأبو أويس فيه لين، وأكثر الروايات على ما وقع في حديث الباب أنه عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين سنة، وقد حاول الكمال بن طلحة في جزء له في الختان الجمع بين الروايتين فقال: نقل في الحديث الصحيح أنه اختتن لثمانين. وفي رواية أخرى صحيحة أنه اختتن لمائة وعشرين، والجمع بينهما أن إبراهيم عاش مائتي سنة منها ثمانين سنة غير مختون ومنها مائة وعشرين وهو مختون، فمعنى الحديث الأول اختتن لثمانين مضت من عمره، والثاني لمائة وعشرين بقيت من عمره. وتعقبه الكمال بن العديم في جزء سماه "الملحة في الرد على ابن طلحة" بأن في كلامه وهما من أوجه: أحدها تصحيحه لرواية مائة وعشرين وليست بصحيحة، ثم أوردها من رواية الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعة وتعقبه بتدليس الوليد، ثم أورده من "فوائد ابن المقري" من رواية جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد به موقوفا، ومن رواية علي بن مسهر وعكرمة بن إبراهيم كلاهما عن يحيى بن سعيد كذلك. ثانيها قوله في كل منهما لثمانين لمائة وعشرين، ولم يرد في طريق من الطرق باللام وإنما ورد بلفظ اختتن وهو ابن ثمانين وفي الأخرى وهو ابن مائة وعشرين، وورد الأول أيضا بلفظ: "على رأس ثمانين" ونحو ذلك. ثالثها أنه صرح في أكثر الروايات أنه عاش بعد ذلك ثمانين سنة، فلا يوافق الجمع المذكور أن المائة وعشرين هي التي بقيت من عمره. ورابعها أن العرب لا تزال تقول خلون إلى النصف فإذا تجاوزت النصف قالوا بقين، والذي جمع به ابن طلحة يقع بالعكس، ويلزم أن يقول فيما إذا مضى من الشهر عشرة أيام لعشرين بقين وهذا لا يعرف في استعمالهم. ثم ذكر الاختلاف في سن إبراهيم وجزم بأنه لا يثبت منها شيء. منها قول هشام بن الكلبي عن أبيه قال: دعا إبراهيم الناس إلى الحج ثم رجع إلى الشام فمات به وهو ابن مائتي سنة. وذكر أبو حذيفة البخاري أحد الضعفاء في "المبتدأ" بسند له ضعيف أن إبراهيم عاش مائة وخمسا وسبعين سنة. وأخرج ابن أبي الدنيا من مرسل عبيد بن عمير في وفاة إبراهيم وقصته مع ملك الموت ودخوله عليه في صورة شيخ فأضافه، فجعل يضع اللقمة في فيه فتتناثر ولا تثبت في فيه، فقال له: كم أتى عليك؟ قال: مائة وإحدى وستون سنة. فقال إبراهيم في نفسه وهو يومئذ ابن ستين ومائة: ما بقي أن أصير هكذا إلا سنة واحدة فكره الحياة، فقبض ملك الموت حينئذ روحه برضاه. فهذه ثلاثة أقوال مختلفة يتعسر الجمع بينها، لكن أرجحها الرواية الثالثة. وخطر لي بعد أنه يجوز الجمع بأن يكون المراد بقوله: "وهو ابن ثمانين" أنه من وقت فارق قومه وهاجر من العراق إلى الشام، وأن الرواية الأخرى "وهو ابن مائة وعشرين" أي من مولده، أو أن بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها إلا عشرين أو بالعكس، والله أعلم. قال المهلب: ليس اختتان إبراهيم عليه السلام بعد ثمانين مما يوجب علينا مثل فعله، إذ عامة من يموت من الناس لا يبلغ الثمانين، وإنما اختتن وقت أوحى الله إليه بذلك وأمره به، قال: والنظر يقتضي أنه لا ينبغي الاختتان إلا قرب وقت الحاجة إليه لاستعمال العضو في الجماع، كما وقع لابن عباس حيث قال: "كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك" ثم قال: والاختتان في الصغر لتسهيل الأمر على الصغير لضعف عضوه وقلة فهمه. قلت: يستدل بقصة إبراهيم عليه السلام لمشروعية الختان حتى لو أخر لمانع حتى بلغ السن المذكور لم يسقط طلبه، وإلى ذلك أشار البخاري بالترجمة، وليس المراد أن الختان يشرع تأخيره إلى الكبر حتى يحتاج إلى الاعتذار عنه. وأما التعليل الذي ذكره من طريق النظر ففيه نظر، فإن حكمة الختان لم تنحصر في تكميل ما يتعلق بالجماع بل
(11/89)

ولما يخشى من انحباس بقية البول في الغرلة ولا سيما للمستجمر فلا يؤمن أن يسيل فينجس الثوب أو البدن، فكانت المبادرة لقطعها عند بلوغ السن الذي يؤمر به الصبي بالصلاة أليق الأوقات، وقد بينت الاختلاف في الوقت الذي يشرع فيه فيما مضى. قوله: "واختتن بالقدوم مخففة" ثم أشار إليه من طريق أخرى مشددة وزاد: "وهو موضع" وقد قدمت بيانه في شرح الحديث المذكور في ترجمة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء، وأشرت إليه أيضا في أثناء اللباس. وقال المهلب: القدوم بالتخفيف الآلة كقول الشاعر على خطوب مثل نحت القدوم وبالتشديد الموضع، قال: وقد يتفق لإبراهيم عليه السلام الأمران يعني أنه اختتن بالآلة وفي الموضع. قلت: وقد قدمت الراجح من ذلك هناك، وفي المتفق للجوزقي بسند صحيح عن عبد الرزاق قال: القدوم القرية. وأخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه: "اختتن إبراهيم بالقدوم" فقلت ليحيى: ما القدوم؟ قال الفأس. قال الكمال بن العديم في الكتاب المذكور. الأكثر على أن القدوم الذي اختتن به إبراهيم هو الآلة، يقال بالتشديد والتخفيف والأفصح التخفيف، ووقع في روايتي البخاري بالوجهين، وجزم النضر بن شميل أنه اختتن بالآلة المذكورة، فقيل له: يقولون قدوم قرية بالشام، فلم يعرفه وثبت على الأول. وفي صحاح الجوهري: القدوم الآلة والموضع بالتخفيف معا. وأنكر ابن السكيت التشديد مطلقا. ووقع في متفق البلدان للحازمي: قدوم قرية كانت عند حلب وكانت مجلس إبراهيم. قوله: "حدثنا محمد بن عبد الرحيم" هو البغدادي المعروف بصاعقة، وشيخه عباد بن موسى هو الختلي بضم المعجمة وتشديد المثناة الفوقانية وفتحها بعدها لام من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجة بالنسبة لإسماعيل بن جعفر فإنه أخرج الكثير عن إسماعيل بن جعفر بواسطة واحدة كقتيبة وعلي بن حجر، ونزل فيه درجتين بالنسبة لإسرائيل فإنه أخرج عنه بواسطة واحدة كعبد الله بن موسى ومحمد بن سابق. قوله: "أنا مختون" أي وقع له الختان، يقال صبي مختون ومختتن وختين بمعنى. قوله: "وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك" أي حتى يبلغ الحلم، قال الإسماعيلي: لا أدري من القائل "وكانوا يختنون" أهو أبو إسحاق أو إسرائيل أو من دونه، وقد قال أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر" وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وأنا قد ناهزت الاحتلام" قال: والأحاديث عن ابن عباس في هذا مضطربة. قلت: وفي كلامه نظر، أما أولا فلأن الأصل أن الذي يثبت في الحديث معطوفا على ما قبله فهو مضاف إلى من نقل عنه الكلام السابق حتى يثبت أنه من كلام غيره. ولا يثبت الإدراج بالاحتمال. وأما ثانيا فدعوى الاضطراب مردودة مع إمكان الجمع أو الترجيح، فإن المحفوظ الصحيح أنه ولد بالشعب وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة، وبذلك قطع أهل السير وصححه ابن عبد البر وأورد بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: "ولدت وبنو هاشم في الشعب" وهذا لا ينافي قوله: "ناهزت الاحتلام" أي قاربته ولا قوله: "وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك" لاحتمال أن يكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، وأما قوله: "وأنا ابن عشر" فمحمول على إلغاء الكسر، وروى أحمد من طريق أخرى عن ابن عباس أنه كان حينئذ ابن خمس عشرة، ويمكن رده إلى رواية ثلاث عشرة بأن يكون ابن ثلاث عشرة وشيء وولد في أثناء السنة فجبر الكسرين بأن يكون ولد مثلا في شوال فله من السنة الأولى ثلاثة.
(11/90)

أشهر فأطلق عليها سنة وقبض النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع فله من السنة الأخيرة ثلاثة أخرى وأكمل بينهما ثلاث عشرة، فمن قال ثلاث عشرة ألغى الكسرين ومن قال خمس عشرة جبرهما والله أعلم. قوله: "وقال ابن إدريس" هو عبد الله وأبوه هو ابن يزيد الأودي، وشيخه أبو إسحاق هو السبيعي. قوله: "قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ختين" أي مختون كقتيل ومقتول، وهذا الطريق وصله الإسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس.
(11/91)