فصل في هديه في النكاح ومعاشرته صلى الله عليه وسلم أهله
 
صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((حُبِّبَ إليَّ، مِن دُنْيَاكُم: النِّسَاءُ، والطِّيْبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ)) هذا لفظُ الحديث، ومن رواه ((حبب إليَّ من دنياكم ثلاث))، فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث)) والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تُضاف إليها. وكان النساء والطيب أحبَّ شيء إليه، وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح اللّه له من ذلك ما لم يُبحه لأحد من أمته.
وكان يقسم بينهن في المبيت والإِيواء والنفقة، وأما المحبة فكان يقول: ((اللَّهُمَ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ)) فقيل: هو الحب والجماع، ولا تجب التسوية في ذلك، لأنه مما لا يُملك.
وهل كان القَسْمُ واجباً عليه، أو كان له معاشرتهن من غير قسم؟ على قولين للفقهاء.
فهو أكثر الأمة نساءً، قال ابن عباس: تزوجوا، فَإنّ خيرَ هذه الاُمةِ أكثرها نساء.
وطلق صلى الله عليه وسلم، وراجع، والى إيلاءً مؤقتاً بشهر، ولم يظاهر أبداً، وأخطأ من قال: إنه ظاهر خطأً عظيماً، وإنما ذكرته هنا تنبيهاً على قبح خطئه ونسبته إلى ما برَّأه اللّه منه.
وكانت سيرته مع أزواجه حسنَ المعاشرة، وحسنَ الخلق.
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة.
وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها، خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئاً، وإلى هذا ذهب الجمهور.
وكان يقول: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأهلي)).
وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن.
وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل، انقلب إلى بيت صاحبة النَّوبة، فخصها بالليل. وقالت عائشة: كان لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعضٍ في مُكْثِهِ عِنْدَهُنَّ في القَسمِ، وقلَّ يومٌ إلا كان يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغَ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها.
وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة، ووقع في ((صحيح مسلم)) من قول عطاء أن التي لم يكن يقسم لها هي صفية بنت حيَيٍّ، وهو غلط مِن عطاء رحمه اللّه، وإنما هي سودة، فإنها لما كَبِرَت وهبت نوبتها لعائشة.
وكان صلى الله عليه وسلم يقسِم لعائشة يومها ويومَ سودة، وسبب هذا الوهم -والله أعلم- أنه كان قد وَجَدَ على صفيَّة في شيء، فقالت لعائشة: هل لَكِ أن تُرضي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأَهبَ لَكِ يومي؟ قالت: نعم، فقعدت عائشةُ إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم صفية، فقال: ((إلَيْكِ عَنِّي يَا عَائِشَةُ، فَإنَّه لَيسَ يَومَكِ)) فقالَت: ذَلِكَ فَضل اللَّهِ يُؤتيه من يَشاء وأخبرته بالخبرِ، فرضيَ عنها. وإنما كانت وهبتها ذلك اليومَ وتلك النَّوبَة الخاصة، ويتعين ذلك، وإلا كان يكون القسم لسبع منهن، وهو خلاف الحديث الصحيح الذي لا ريب فيه أن القسم كان لثمانٍ، واللّه أعلم. ولو اتفقت مثل هذه الواقعة لمن له أكثر من زوجتين، فوهبت إحداهن يومها للأخرى، فهل للزوج أن يُوالِيَ بين ليلة الموهوبة وليلتها الأصلية وإن لم تكن ليلة الواهبة تليها، أو يجب عليه أن يجعل ليلَتها هي الليلة التي كانت تستحقها الواهبة بعينها؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره.
وكان صلى الله عليه وسلم يأتي أهلَه آخرَ الليل، وأوله، فَكَانَ إذا جامع أول الليل، ربما اغتسل ونام، وربما توضأ ونام. وذكر أبو إسحاق السَّبيعي عن الأسود عن عائشة أنه كان ربما نام، ولم يمس ماء وهو غلط عند أئمة الحديث، وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب ((تهذيب سنن أبي داود)) وإيضاح علله ومشكلاته.
وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، وربما اغتسل عند كل واحدة، فعل هذا وهذا.
وكان إذا سافر وَقَدِمَ، لم يطرُقْ أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك.