باب تحريم الكبر وبيانه
 
( باب تحريم الكبر وبيانه [ 91 ] فيه أبان بن تغلب عن فضيل الفقيمى عن ابراهيم النخعى عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل ان الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال ان الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس قال مسلم رحمه الله ( حدثنا منجاب وسويد بن سعيد عن على بن مسهر عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة خردل من ايمان ولا يدخل الجنة أحد فى قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء ) قد تقدم أن أبانا يجوز صرفه وترك صرفه وأن الصرف أفصح وتغلب بالغين المعجمة وكسر اللام وأما الفقيمى فبضم الفاء وفتح القاف ومنجاب بكسر الميم واسكان النون وبالجيم وآخره باء موحدة ومسهر بضم الميم وكسر الهاء وفى هذا الاسناد الثانى لطيفتان )
(2/89)

من لطائف الاسناد احداهما أن فيه ثلاثة تابعيين يروى بعضهم عن بعض وهم الاعمش وابراهيم وعلقمة والثانية أنه اسناد كوفى كله فمنجاب وعبد الله بن مسعود ومن بينهما كوفيون الاسويد بن سعيد رفيق منجاب فيغني عنه منجاب وقوله صلى الله عليه و سلم وغمط الناس هو بفتح الغين المعجمة واسكان الميم وبالطاء المهملة هكذا هو فى نسخ صحيح مسلم رحمه الله قال القاضي عياض رحمه الله لم نرو هذا الحديث عن جميع شيوخنا هنا وفى البخارى الا بطاء قال وبالطاء ذكره أبو داود فى مصنفه وذكره أبو عيسى الترمذى وغيره غمص بالصاد وهما بمعنى واحد ومعناه احتقارهم يقال فى الفعل منه غمطه بفتح الميم يغمطه بكسرها وغمطه بكسر الميم يغمطه بفتحها أما بطر الحق فهو دفعه وانكاره ترفعا وتجبرا وقوله صلى الله عليه و سلم من كبرياء هي غير مصروفة وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله جميل يحب الجمال اختلفوا فى معناه فقيل ان معناه أن كل أمره سبحانه وتعالى حسن جميل وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال وقيل جميل بمعنى مجمل ككريم وسميع بمعنى مكرم ومسمع وقال الامام أبو القاسم القشيرى رحمه الله معناه جليل وحكى الامام أبو سليمان الخطابى أنه بمعنى ذى النور والبهجة أى مالكهما وقيل معناه جميل الأفعال بكم باللطف والنظر اليكم يكلفكم اليسير من العمل ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه واعلم أن هذا الاسم ورد فى هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد وورد أيضا فى حديث الأسماء الحسنى وفى اسناده مقال والمختار جواز اطلاقه على الله تعالى ومن العلماء من منعه قال الامام أبو المعالى امام الحرمين رحمه الله تعالى ما ورد الشرع باطلاقه فى أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه وما منع الشرع من اطلاقه منعناه وما لم يرد فيه اذن ولا منع لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم فان الأحكام الشرعية تتلقى من موارد الشرع ولو قضينا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكما بغير الشرع قال ثم لا يشترط فى جواز الاطلاق ورود ما يقطع به الشرع ولكن ما يقتضى للعمل وان لم يوجب العلم فانه
(2/90)

كاف الا أن الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ولا يجوز التمسك بهن فى تسميه الله تعالى ووصفه هذا كلام امام الحرمين ومحله من الاتقان والتحقق بالعلم مطلقا وبهذا الفن خصوصا معروف بالغاية العليا وأما قوله لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم لانه ذلك لا يكون الا بالشرع فهذا مبنى على المذهب المختار فى حكم الأشياء قبل ورود الشرع فان المذهب الصحيح عند المحققين من أصحابنا أنه لا حكم فيها لا بتحليل ولا تحريم ولا اباحة ولا غير ذلك لأن الحكم عند أهل السنة لا يكون الا بالشرع وقال بعض أصحابنا أنها على الاباحة وقال بعضهم على التحريم وقال بعضهم على الوقف لا يعلم ما يقال فيها والمختار الأول والله أعلم وقد اختلف أهل السنة فى تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه فأجازه طائفة ومنعه آخرون الا أن يرد به شرع مقطوع به من نص كتاب الله أو سنة متواترة أو اجماع على اطلاقه فان ورد خبر واحد فقد اختلفوا فيه فأجازه طائفة وقالوا الدعاء به والثناء من باب العمل وذلك جائز بخبر الواحد ومنعه آخرون لكونه راجعا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى وطريق هذا القطع قال القاضي والصواب جوازه لاشتماله على العمل ولقوله الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم لايدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر فقد اختلف فى تأويله فذكر الخطابى فيه وجهين أحدهما أن المراد التكبر عن الايمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا اذا مات عليه والثانى أنه لا يكون فى قلبه كبر حال دخوله الجنة كما قال الله تعالى ونزعنا ما فى صدورهم من غل وهذان التأويلان فيهما بعد فان هذا الحديث ورد فى سياق النهى عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق فلا ينبغى أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة ان جازاه وقيل هذا جزاؤه لو جازاه وقد يتكرم بأنه لا يجازيه بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة اما أولا واما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة وأما قوله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة من فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان فالمراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود وقوله صلى الله عليه و سلم مثقال حبة هو على ما تقدم وتقرر من زيادة الايمان ونقصه
(2/91)

وأما قوله قال رجل ان الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا فهذا الرجل هو مالك بن مرارة الرهاوى قاله القاضي عياض وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر رحمهما الله وقد جمع أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الحافظ فى اسمه أقوالا من جهات فقال هو أبو ريحانة واسمه شمعون ذكره بن الاعرابى وقال على بن المدينى فى الطبقات اسمه ربيعة بن عامر وقيل سواد بالتخفيف بن عمر وذكره بن السكن وقيل معاذ بن جبل ذكره بن أبى الدنيا فى كتاب الخمول والتواضع وقيل مالك بن مرارة الرهاوى ذكره أبو عبيد فى غريب الحديث وقيل عبد الله بن عمرو بن العاصى ذكره معمر فى جامعه وقيل خريم بن فاتك هذا ما ذكره بن بشكوال وقولهم بن مرارة الرهاوى هو مرارة بضم الميم وبراء مكررة وآخره هاء والرهاوى هنا نسبة إلى قبيلة ذكره الحافظ عبد الغنى بن سعيد المصرى بفتح الراء ولم يذكره بن ما كولا وذكر الجوهرى فى صحاحه أن الرهاوى نسبة إلى رها بضم الراء حى من مذحج وأما شمعون فبالعين المهملة وبالمعجمة والشين معجمة فيهما والله أعلم