باب بيان غلط تحريم اسبال الازار والمن بالعطية
 
باب بيان غلط تحريم اسبال الازار والمن بالعطية ( وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لايكلمهم الله يوم القيامة ) ( ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) [ 106 ] فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) وفى رواية ( المنان الذى لا يعطى شيئا الا منه والمسبل ازاره ) وفى
(2/114)

[ 107 ] رواية ( شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) وفى رواية [ 108 ] ( رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من بن السبيل ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك ورجل بايع اماما لا يبايعه الا لدنيا فان أعطاه منها وفى وان لم يعطه منها لم يف ) أما الفاظ أسماء الباب ففيه على بن مدرك بضم الميم واسكان الدال المهملة وكسر الراء وفيه خرشة بخاء معجمة ثم راء مفتوحتين ثم شين معجمة وفيه أبو زرعة وهو بن عمرو بن جرير وتقدم مرات الخلاف فى اسمه وأن الاشهر فيه هرم وفيه أبو حازم عن أبى هريرة هو أبو حازم سلمان الاغر مولى عزة وفيه أبو صالح وهو ذكوان تقدم وفيه سعيد بن عمرو الاشعثى هو بالشين المعجمة والعين المهملة والثاء المثلثة منسوب إلى جده الاشعث بن قيس الكندى فانه سعيد بن عمرو بن سهل بن إسحاق بن محمد بن الاشعت بن قيس الكندى وفيه عبثر هو بفتح العين وبعدها باء موحدة ساكنة ثم ثاء مثلثة واما الفاظ اللغة ونحوها فقوله صلى الله عليه و سلم ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم هو على لفظ الآية
(2/115)

الكريمة قيل معنى لا يكلمهم أى لا يكلمهم تكليم أهل الخيرات وباظهار الرضى بل بكلام أهل السخط والغضب وقيل المراد الاعراض عنهم وقال جمهور المفسرين لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم وقيل لا يرسل اليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر اليهم أى يعرض عنهم ونظره سبحانه وتعالى لعباده رحمته ولطفه بهم ومعنى لا يزكيهم لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وقال الزجاج وغيره معناه لا يثنى عليهم ومعنى عذاب أليم مؤلم قال الواحدى هو العذاب الذى يخلص إلى قلوبهم وجعه قال والعذاب كل ما يعيي الانسان ويشق عليه قال وأصل العذاب فى كلام العرب من العذب وهو المنع يقال عذبته عذبا اذا منعته وعذب عذوبا أى امتنع وسمى الماء عذبا لانه يمنع العطش فسمى العذاب عذابا لانه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم المسبل ازاره فمعناه المرخى له الجار طرفه خيلاء كما جاء مفسرا فى الحديث الآخر لا ينظر الله إلى من يجر ثوبه خيلاء والخيلاء الكبر وهذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل ازاره ويدل على أن المراد بالوعيد من جره خيلاء وقد رخص النبى صلى الله عليه و سلم فى ذلك لابى بكر الصديق رضى الله عنه وقال لست منهم اذ كان جره لغير الخيلاء وقال الامام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى وغيره وذكر اسبال الازار وحده لأنه كان عامة لباسهم وحكم غيره من القميص وغيره حكمه قلت وقد جاء ذلك مبينا منصوصا عليه من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه رضى الله عنهم عن النبى صلى الله عليه و سلم قال الاسبال فى الازار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة رواه أبو داود والنسائى وبن ماجه باسناد حسن والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم المنفق سلعته بالحلف الفاجر فهو بمعنى الرواية الاخرى بالحلف الكاذب ويقال الحلف بكسر اللام واسكانها وممن ذكر الاسكان بن السكيت فى أول اصلاح المنطق وأما الفلاة بفتح الفاء فهي المفازة والقفر
(2/116)

التى لا أنيس بها وأما تخصيصه صلى الله عليه و سلم فى الرواية الاخرى الشيخ الزانى والملك الكذاب والعائل المستكبر بالوعيد المذكور فقال القاضي عياض سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه وعدم ضرورته اليها وضعف دواعيها عنده وان كان لا يعذر أحد بذنب لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصى ضرورة مزعجة ولا دواعى متعادة أشبه اقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها فان الشيخ لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعى الحلال فى هذا ويخلى سره منه فكيف بالزنى الحرام وانما دواعى ذلك الشباب والحرارة الغريزية وقلة المعرفة وغلبة الشهوة لضعف العقل وصغر السن وكذلك الامام لا يخشى من أحد من رعيته ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته فان الانسان انما يداهن ويصانع بالكذب وشبهه من يحذره ويخشى أذاه ومعاتبته أو يطلب عنده بذلك منزله أو منفعه وهو غنى عن الكذب مطلقا وكذلك العائل الفقير قد عدم المال وانما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة فى الدنيا لكونه ظاهرا فيها وحاجات أهلها إليه فاذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره فلم يبق فعله وفعل الشيخ الزانى والامام الكاذب الا لضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى والله أعلم وأما الثلاثة فى الرواية الاخيرة فمنهم رجل منع فضل الماء من بن السبيل المحتاج ولا شك فى غلظ تحريم ما فعل وشدة قبحه فإذا كان من يمنع فضل الماء الماشية عاصيا فكيف بمن يمنعه الآدمى المحترم فان الكلام فيه فلو كان بن السبيل غير محترم كالحربى والمرتد لم يجب بذل الماء له وأما الحالف كاذبا بعد العصر فمستحق هذا الوعيد وخص ما بعد العصر لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار وغير ذلك وأما مبايع الامام على الوجه المذكور
(2/117)

فمستحق هذا الوعيد لغشه المسلمين وامامهم وتسببه إلى الفتن بينهم بنكثه بيعته لا سيما ان كان ممن يقتدى به والله أعلم ووقع فى معظم الأصول فى الرواية الثانية عن أبى هريرة ثلاث لا يكلمهم الله بحذف الهاء وكذا وقع فى بعض الأصول فى الرواية الثانية عن أبى ذر وهو صحيح على معنى ثلاث أنفس وجاء الضمير فى يكلمهم مذكرا على المعنى والله سبحانه وتعالى أعلم