( باب جهنم أعاذنا الله منها
 
[ 2842 ] قوله ( حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبى عن العلاء بن خالد الكاهلى عن شقيق عن عبد الله الحديث ) هذا الحديث مما استدركه الدارقطنى على مسلم وقال رفعه وهم رواه الثورى ومروان وغيرهما عن )
(17/178)

العلاءابن خالد مؤقوفا قلت وحفص ثقة حافظ إمام فزيادته الرفع مقبولة كما سبق نقله عن الأكثرين والمحققين [ 2844 ] قوله ( سمع وجبة ) هي بفتح الواو واسكان الجيم وهى السقطة قوله ( فى حديث محمد بن عباد باسناده عن أبى هريرة بهذا الاسناد وقال هذا وقع فى أسفلها فسمعتم وجبتها ) هكذا هو فى النسخ وهو صحيح فيه محذوف دل عليه الكلام أى هذا حجر وقع أو هذا حين
(17/179)

ونحو ذلك [ 2845 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ومنهم من تأخذه يعنى النار إلى حجزته ) هي بضم الحاء واسكان الجيم وهى معقد الازار والسراويل ومنهم من تأخذه إلى ترقوته هي بفتح التاء وضم القاف وهى العظم الذى بين ثغرة النحر والعاتق وفى رواية حقويه بفتح الحاء وكسرها وهما
(17/180)

معقد الازار والمراد هنا ما يخاذى ذلك الموضع من جنبيه قوله صلى الله عليه و سلم ( تحاجت النار والجنة ) إلى آخره هذا الحديث على ظاهره وأن الله تعالى جعل فى النار والجنة تمييزا تدركان به فتحاجتا ولايلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز فيهما دائما قوله صلى الله عليه و سلم ( وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم ) أما سقطهم فبفتح السين والقاف أى ضعفاؤهم والمتحقرون منهم وأما عجزهم فبفتح العين والجيم جمع عاجز أى العاجزون عن طلب الدنيا والتمكن فيها والثروة والشوكة وأما الرواية رواية محمد بن رافع ففيها لا يدخلنى الاضعاف الناس وغرتهم فروى على ثلاثة أوجه حكاها القاضي وهى موجودة فى النسخ احداها غرثهم بغين معجمة مفتوحة وثاء مثلثة قال القاضي هذه رواية الأكثرين من شيوخنا ومعناها أهل الحاجة والفاقة والجوع والغرث الجوع والثانى عجزتهم بعين مهملة مفتوحة وجيم وزاى وتاء جمع عاجز كما سبق والثالث غرتهم بغين معجمة مكسورة وراء مشددة وتاء مثناة فوق وهكذا هو الأشهر فى نسخ بلادنا أى البلة الغافلون الذين ليس بهم فتك وحذق فى أمور الدنيا وهو نحو الحديث الآخر أكثر أهل الجنة البله قال القاضي معناه سواد الناس وعامتهم من أهل الايمان الذين لايفطنون للسنة فيدخل عليهم الفتنة أو يدخلهم فى البدعة أو غيرها فهم ثابتوا الايمان وصحيحوا العقائد وهم أكثر المؤمنين وهم أكثر أهل الجنة وأما العارفون والعلماء العاملون والصالحون المتعبدون فهم قليلون وهم أصحاب الدرجات قال وقيل معنى الضعفاء هنا وفى الحديث الآخر أهل الجنة كل ضعيف متضعف انه الخاضع لله تعالى المذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر المستكبر
(17/181)

قوله صلى الله عليه و سلم ( فتقول قط قط فهنالك تمتلىء ويزوى بعضها إلى بعض ) معنى يزوى يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقى على من فيها ومعنى قط حسبى أى يكفينى هذا وفيه ثلاث لغات قط قط باسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة قوله صلى الله عليه و سلم فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله ) وفى الرواية التى بعدها لاتزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول قط قط وفى الرواية الأولى فيضع قدمه عليها هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وقد سبق مرات بيان اختلاف العلماء فيها على مذهبين أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لايتكلم فى تأويلها بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ولها معنى يليق بها وظاهرها غير مراد والثانى
(17/182)

وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا فى تأويل هذا الحديث فقيل المراد بالقدم هنا المتقدم وهو شائع فى اللغة ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب قال المازرى والقاضى هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن بن الأعرابى الثاني أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير فى قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم الثالث أنه يحتمل أن فى المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية وأما الرواية التى فيها يضع الله فيها رجله فقد زعم الامام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة وتأويلها كما سبق فى القدم ويجوز أيضا أن يراد بالرجل الجماعة من الناس كما يقال رجل من جراد أى قطعة منه قال القاضي أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها قالوا ولابد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعى العقلى على استحالة الجارحة على الله تعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( ولايظلم الله من خلقه أحدا ) قد سبق مرات بيان أن الظلم مستحيل فى حق الله تعالى فمن عذبه بذنب أو بلاذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( وأما الجنة فان الله ينشىء لها خلقا ) هذا دليل لأهل السنة أن الثواب ليس متوقفا على الأعمال فان هؤلاء يخلقون حينئذ ويعطون فى الجنة ما يعطون بغير عمل ومثله أمر الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة قط فكلهم فى الجنة برحمة الله تعالى وفضله وفى هذا الحديث
(17/183)

دليل على عظم سعة الجنة فقد جاء فى الصحيح أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها ثم يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى [ 2849 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيوقف بين الجنة والنار فيذبح ثم يقال خلود فلاموت ) قال المازرى الموت عند أهل السنة عرض يضاد الحياة وقال بعض المعتزلة ليس بعرض بل معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى خلق الموت
(17/184)

والحياة فأثبت الموت مخلوقا وعلى المذهبين ليس الموت بجسم فى صورة كبش أو غيره فيتأول الحديث على أن الله يخلق هذا الجسم ثم يذبح مثالا لأن الموت لايطرأ على أهل الآخرة والكبش الأملح قيل هو الأبيض الخالص قاله بن الأعرابى وقال الكسائى هو الذى فيه بياض وسواد وبياضه أكثر وسبق بيانه فى الضحايا قوله صلى الله عليه و سلم ( فيشرئبون ) بالهمز أى يرفعون رؤسهم إلى المنادى
(17/185)

[ 2851 ] [ 2852 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ضرس الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث وما بين منكبيه ) مسيرة ثلاث هذا كله لكونه أبلغ فى إيلامه وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الايمان به لاخبار الصادق به [ 2853 ] قوله صلى الله عليه و سلم فى أهل الجنة ( كل ضعيف متضعف ) ضبطوا قوله متضعف
(17/186)

بفتح العين وكسرها المشهور الفتح ولم يذكر الأكثرون غيره ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرو ويتجبرون عليه لضعف حاله فى الدنيا يقال تضعفه واستضعفه وأما رواية الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه قال القاضي وقد يكون الضعف هنا رقة القلوب ولينها وإخباتها للايمان والمراد أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن معظم أهل النار القسم الآخر وليس المراد الاستيعاب فى الطرفين ومعنى الأشعث متلبد الشعر مغبره الذى لا يدهنه ولا يكثر غسله ومعنى مدفوع بالأبواب أنه لايؤذن له بل يحجب ويطرد لحقارته عند الناس قوله صلى الله عليه و سلم ( لوأقسم على الله لأبره ) معناه لو حلف يمينا طمعا فى كرم الله تعالى بابراره لأبره وقيل لو دعاه لأجابه يقال أبررت قسمه وبررته والأول هو المشهور قوله صلى الله عليه و سلم فى أهل النار ( كل عتل جواظ مستكبر ) وفى رواية كل جواظ زنيم متكبرا أما العتل بضم العين والتاء
(17/187)

فهو الجافي الشديد الخصومة بالباطل وقيل الجافي الفظ الغليظ وأما الجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة فهو الجموع المنوع وقيل كثير اللحم المختال فى مشيته وقيل القصير البطين وقيل الفاخر بالخاء وأما الزنيم فهو الدعى فى النسب الملصق بالقوم وليس منهم شبه بزنمة الشاة وأما المتكبر والمستكبر فهو صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط الناس [ 2855 ] قوله صلى الله عليه و سلم فى الذى عقر الناقة ( عزيز عارم ) العارم بالعين المهملة والراء قال أهل اللغة هو الشرير المفسد الخبيث وقيل القوى الشرس وقد عرم بضم الراء وفتحها وكسرها عرامة بفتح العين وعراما بضمها فهو عارم وعرم وفى هذا الحديث النهى عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب وفيه النهى عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره بل ينبغى أن يتغافل عنها ويستمر على حديثه واشتغاله بما كان فيه من غير التفات ولا غيره ويظهر أنه لم يسمع وفيه حسن الأدب والمعاشرة [ 2856 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف أبا بنى كعب هؤلاء يجر قصبه فى النار ) وفى الرواية الأخرى رأيت عمرو بن عامر الخزاعى يجر قصبه فى النار وكان أول من سيب السوائب
(17/188)

أما قمعة ضبطوه على أربعة أوجه أشهرها قمعة بكسر القاف وفتح الميم المشددة والثانى كسر القاف والميم المشددة حكاه القاضي عن رواية الباجي عن بن ماهان والثالث فتح القاف مع إسكان الميم والرابع فتح القاف والميم جميعا وتخفيف الميم قال القاضي وهذه رواية الأكثرين وأما خندف فبكسر الخاء المعجمة والدال هذا هو الأشهر وحكى القاضي فى المشارق فيه وجهين أحدهما هذا والثانى كسر الخاء وفتح الدال وآخرها فاء وهى اسم القبيلة فلا تنصرف واسمها ليلى بنت عمران بن الجاف بن قضاعة وقوله صلى الله عليه و سلم ( أبا بنى كعب ) كذا ضبطناه أبا بالباء وكذا هو فى كثير من نسخ بلادنا وفى بعضها أخا بالخاء ونقل القاضي هذا عن أكثر رواة الجلودي قال والأول رواية بن ماهان وبعض رواة الجلودى قال وهو الصواب قال وكذا ذكر الحديث بن أبى خيثمة ومصعب الزبيرى وغيرهما لأن كعبا هو أحد بطون خزاعة وابنه وأما لحى فبضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء وأما قصبة فبضم القاف واسكان الصاد قال الأكثرون يعنى أمعاءه وقال أبو عبيد الأمعاء واحدها قصب أما قوله فى الرواية الثانية عمرو بن عامر فقال القاضي المعروف فى نسب بن خزاعة عمرو بن لحى بن قمعة كما قال فى الرواية الأولى وهو قمعة بن الياس بن مضر وانما عامر عم أبيه أبي قمعة وهو مدركة بن الياس هذا قول نساب الحجازيين ومن الناس من يقول انهم من اليمن من ولد عمرو بن عامر وانه عمرو بن لحى واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وقد
(17/189)

يحتج قائل بهذه الرواية الثانية هذا آخر كلام القاضي والله أعلم [ 2128 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها لتوجد من مسيرة كذاوكذا ) هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه و سلم فأما أصحاب السياط فهم غلمان والى الشرطة أما الكاسيات ففيه أوجه أحدها معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها والثانى كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير
(17/190)

والاهتمام لآخرتهن والاعتناء بالطاعات والثالث تكشف شيئا من بدنها إظهارا لجمالها فهن كاسيات عاريات والرابع يلبسن ثيابا رقاقا تصف ما تحتها كاسيات عاريات فى المعنى واما مائلات مميلات فقيل زائغات عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ الفروج وغيرها ومميلات يعلمن غيرهن مثل فعلهن وقيل مائلات متبخترات فى مشيتهن مميلات أكتافهن وقيل مائلات يتمشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا معروفة لهن مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة وقيل مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها وأما رؤوسهن كأسنمة البخت فمعناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرأس حتى تشبه أسنمة الابل البخت هذا هو المشهور فى تفسيره قال المازرى ويجوز أن يكون معناه يطمحن إلى الرجال ولا يغضضن عنهم ولا ينكسن رؤوسهن واختار القاضي أن المائلات تمشطن المشطة الميلاء قال وهى ضفر الغدائر وشدها إلى فوق وجمعها فى وسط الرأس فتصير كأسنمة البخت قال وهذا يدل على أن المراد بالتشبيه بأسنمة البخت انما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها بما يضفرنه حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام قال بن دريد يقال ناقة ميلاء اذا كان سنامها يميل إلى أحد شقيها والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( لايدخلن الجنة ) يتأول التأويلين السابقين فى نظائره أحدهما أنه محمول على من استحلت حراما من ذلك مع علمها بتحريمه فتكون كافرة مخلدة فى النار لاتدخل الجنة أبدا والثانى يحمل على أنها لاتدخلها أول الامر مع الفائزين والله تعالى أعلم
(17/191)