مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ
رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حِجْرِي (حُجْرَتِي) فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ
قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي (...)
 
مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ
رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حِجْرِي (حُجْرَتِي) فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ
قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ
هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثَ مَالِكٍ سَوَاءً
فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فِي الرُّؤْيَا وَاعْتِقَادِ صِحَّتِهَا وَأَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56
أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَحَسَبُكَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ
النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ الصِّحَاحِ
وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
وَيَحْتَمِلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يُجِبْهَا فِي حِينِ قَصَّتْ عَلَيْهِ رُؤْيَاهَا ثُمَّ
قَالَ لَهَا مَا حَكَتْهُ بَعْدُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمِلَ لَهَا الْجَوَابَ حِينَئِذٍ وَيُؤَكِّدَهُ بِالْبَيَانِ فِي حِينِ
مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَهِمَتْ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِيهِ كَمَا كَانَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي بَيْتِهَا غَيْرُهُمْ وَقَدْ رَامَ ذَلِكَ قَوْمٌ فَلَمْ
يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَهُمْ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَمَرَ قَدْ يَكُونُ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا الْمُلْكَ الْأَعْظَمَ كَمَا تَكُونُ الشَّمْسُ
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُعَبِّرًا مُحْسِنًا وَقَدْ عَبَّرَ لَهَا رُؤْيَاهَا فِي يَوْمِ الْجَمَلِ
رَوَى هُشَيْمٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتْ كَأَنَّهَا
عَلَى ظَرْبٍ وَحَوْلَهَا بَقَرٌ يُذْبَحُ وَيُنْحَرُ فَقَصَّتْ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إِنْ صَدَقَتْ
رُؤْيَاكِ لَيُقْتَلَنَّ حَوْلَكِ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ
الظَّرَبُ جَمْعُهُ ظِرَابٌ وَهِيَ الْجِبَالُ الصِّغَارُ
مَالِكٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ نُفَيْلٍ تُوُفِّيَا بِالْعَقِيقِ وَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ سَعْدٍ وَسَعِيدٍ كَمَا حَكَاهُ مَالِكٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةٌ
اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ
فَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
بِالْقَتْلَى أَنْ يُرَدُّوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ
وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ تُدْفَنُ الْأَجْسَادُ حَيْثُ
تُقْبَضُ الْأَرْوَاحُ
وَبِالْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ شَهِدْتُهُ مَا دُفِنَ إِلَّا حَيْثُ
مَاتَ
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57
وَكَانَ دُفِنَ بِالْحَبَشِ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا أَوْ نَحْوَهَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً بَعْدَ كَافَّةٍ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ مَوْتَاهُمْ مِنْ دُورِهِمْ
إِلَى قُبُورِهِمْ فَمِنْ ذَلِكَ الْبَقِيعُ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ وَلِكُلِّ مَدِينَةٍ جَبَّانَةٌ يَتَدَافَنُ فِيهَا أَهْلُهَا
فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَسَادٍ نَقْلَ مَنْ نَقَلَ تُدْفَنُ الْأَجْسَادُ حَيْثُ تُقْبَضُ
الْأَرْوَاحُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْبَلَدَ وَالْحَضْرَةَ وَمَا لَا يَكُونُ سَفَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَيْسَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرْدُ الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ
مَا يَرُدُّ مَا وَصَفْنَا
وَالْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ مَا دُفِنَ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ قُبِضَ دَلِيلٌ وَوَجْهٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي أَخِيهَا بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا أَرَادَتْ دَفْنَهُ بِمَكَّةَ لِزِيَارَةِ النَّاسِ
الْقُبُورَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ
وَقَدْ نُقِلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِنَ الْعَقِيقِ وَنَحْوِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ
بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَعَلَّهُمَا قَدْ أَوْصَيَا بِذَلِكَ
وَمَا أَظُنُّ إِلَّا وَقَدْ رُوِيَتْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ - أَعْنِي نَقْلَ الْمَوْتَى - بِدْعَةٌ وَلَا سُنَّةٌ فَلْيَفْعَلِ الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ مَا
شَاءَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَأَنْ أُدْفَنَ
بِغَيْرِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ
مَعَهُ وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُنْبَشَ لِي عِظَامُهُ
وَقَدْ بَيَّنَ عُرْوَةُ (رَحِمَهُ اللَّهُ) وَجْهَ كَرَاهَتِهِ الدَّفْنَ بِالْبَقِيعِ وَظَاهِرُ خَبَرِهِ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ
نَبْشَ عِظَامِ الظَّالِمِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ لِأَنَّ عَظْمَ الْمُؤْمِنِ يُكْرَهُ مِنْ كَسْرِهِ مَيِّتًا مَا
يُكْرَهُ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ
وَفِي خَبَرِ عُرْوَةَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَلِذَلِكَ اسْتَحَبُّوا الْجَارَ الصَّالِحَ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ
وَعُرْوَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ ابْتَنَى قَصْرَهُ بِالْعَقِيقِ وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ لَمَّا رَأَى مِنْ تَغَيُّرِ أَحْوَالِ
أَهْلِهَا وَمَاتَ هُنَاكَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) وَخَبَرُهُ هَذَا عَجِيبٌ قَدْ ذَكَرْنَاهُ مَنْ طُرُقٍ فِي آخِرِ
كِتَابِ جَامِعِ بَيَانِ العلم وفضله
الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58