مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَحْسَبُ (...) |
مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَحْسَبُ التَّدَابُرَ إِلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ فَتُدْبِرَ عَنْهُ بِوَجْهِكَ كَذَا قَالَ يَحْيَى يُهَاجِرُ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ يَهْجُرُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ لَا تَبَاغَضُوا نَهْيٌ مَعْنَاهُ النَّدْبُ إِلَى رِيَاضَةِ النَّفْسِ عَلَى التَّحَابِّ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْبِغْضَةَ لَا يَكَادُ الْمَرْءُ يَغْلِبُ فِيهِمَا نَفْسَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) الْأَنْفَالِ 63 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ البغضة خالقة لِلدِّينِ لِأَنَّهَا تَبْعَثُ عَلَى الْغِيبَةِ وَسَتْرِ الْمَحَاسِنِ وَإِظْهَارِ الْمَسَاوِئِ وَرُبَّمَا آلَتْ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مَعْصُومَ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ (تَعَالَى) وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَا تَحَاسَدُوا فَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا يَحْسُدُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ عَلَى نِعْمَةٍ أَتَاهُ اللَّهُ وَلْيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَقَدْ أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَدَ فِي الْخَيْرِ فَقَالَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ لَيْلَهُ وَرَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ عَلْمًا - أَوْ قَالَ حِكْمَةً - فَهُوَ يَقْضِي بها ويعلمها هكذا حديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروي بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَيْنِ بِأَسَانِيدِهِمَا فِي التَّمْهِيدِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 إِذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا وَيُقَالُ إِنَّ الْحَسَدَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فَمَنْ لَمْ يَحْمِلْهُ حَسَدُهُ عَلَى الْبَغْيِ لَمْ يَضُرَّهُ حَسَدُهُ وَرَوَيْنَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ خُلِقَ مَعَهُ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ إِلَى الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِالْآثَارِ عَنِ السَّلَفِ فِي ذَمِّ الْحَسَدِ وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَحْسُدِ النَّاسَ فِي بَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فِي التَّمْهِيدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا تَدَابَرُوا فَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَوْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَهُوَ عِنْدِي مَخْصُوصٌ أَيْضًا بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إِذْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَهْجُرُوهُ وَيَقْطَعُوا الْكَلَامَ عَنْهُ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ لِمَا أَحْدَثَهُ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْغَزْوِ وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَ كَعْبٍ هَذَا أَصْلًا فِي هِجْرَانِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَرْضَ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَنْ خُشِيَ مِنْ مُجَالَسَتِهِ وَمُكَالَمَتِهِ الضَّرَرُ فِي الدِّينِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فَهِجْرَانُهُ وَالْبُعْدُ عَنْهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَيْكَ زَلَّاتِكَ وَيُمَارِيكَ فِي صَوَابِكَ وَلَا تَسْلَمُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ خُلْطَتِهِ وَرُبَّ صَرْمٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ من مخالطة مؤذية وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عَلَيْهِ فَقَدْ قَطَعَ الْهِجْرَةَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ سَلَامُهُ قَالَ يَنْظُرُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُصَارَمَةِ فَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْهِجْرَانِ إِلَّا بِالْعَوْدَةِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا سَلَامٌ لَيْسَ مَعَهُ إِعْرَاضٌ وَلَا إِدْبَارٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا هَذَا الْمَعْنَى وَالْآثَارُ الْمَرْفُوعَةُ تَشْهَدُ لِمَا رواه بن وَهْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ |