وعنْ أَبي سعيد الخدريِّ رضي اللّهُ عنْهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إيّاكُمْ والجلوسَ بالطُّرُقات" قالوا: يا رسولَ الله مَا لَنا بُدٌّ مِنْ مجالسِنا نتحدثُ فيها، قال: "فأَمّا إذا أَبيتُمْ فأَعطوا الطريق حقّهُ" قالوا: وما حقُّهُ؟ قال: "غضُّ البصر وكفُّ الأذى ورد السلام والأمْرُ بالمعروف والنّهيُ عن المنكر" مُتّفقٌ عليه.
 


(وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إيّاكُمْ والجلُوس في الطُّرقات") بضمتين جمع طريق (قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال: "أَمّا إذا أَبيْتمْ) أي امتنعتم عن ترك الجلوس على الطرقات (فأَعْطُوا الطّريق حَقّهُ" قالوا: وما حقه؟ قال: "غضُّ البصَر) عن المحرمات (وكفُّ الأذى) عن المارين بقول أو فعل (ورَدُّ السّلام) إجابته على من أَلقاه عليكم من المارين، إذ السلام يسنّ ابتداء للمار لا للقاعد (والأمْر بالمعْرُوف والنّهْي عن المنكر" متفق عليه).
قال القاضي عياض: فيه دليل على أنهم فهموا أن الأمر ليس للوجوب وأنه للترغيب فيما هو الأولى، إذ لو فهموا الوجوب لم يرجعوه. قال المصنف: ويحتمل أنهم راجعوا وقوع النسخ تخفيفاً لما شكوا من الحاجة إلى ذلك.
وقد زيد في أحاديث حق الطريق على هذه الخمسة المذكورة، زاد أبو داود "وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد الله" وزاد سعيد بن منصور "وإغاثة الملهوف" وزاد البزار "الإعانة على الحمل" وزاد الطبراني "وأعينوا المظلوم واذكروا الله كثيراً" قال السيوطي في التوشيح: فاجتمع من ذلك ثلاثة عشر أدباً، وقد نظمها شيخ الإسلام ابن حجر فقال في أربعة أبيات:


جمعت آداب من رام الجلوس على الــــ     ــــطريق من قول خير الخلق إنساناً
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمــــ    ــــت عاطساً وسلاماً، ردّ إحسانا
في الحلم عاون ومظلوماً أعن وأغث     لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مرّ وأنه عن نكر وكف أذى    وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا

إلا أن الأحاديث التي قدمناها وذكرها السيوطي في التوشيح فيها أحد عشر أدباً وفي الأبيات ثلاثة عشر، لأنه زاد: حسن الكلام وهو ثابت في حديث لأبي هريرة، وزاد فيها: وإفشاء السلام، ولم أجده في حديث إنما فيها ردّ السلام، وقد ذكره فيها، والحكمة في النهي عن الجلوس في الطرقات أنه لجلوسه يتعرض للفتنة، فإنه قد ينظر إلى الشهوات ممن يخاف الفتنة على نفسه من النظر إليهنّ مع مرورهنّ. وفيه التعرض للزوم حقوق الله والمسلمين، ولو كان قاعداً في منزله لما عرف ذلك ولا لزمته الحقوق التي قد لا يقوم بها، ولما طلبوا الإذن في البقاء في مجالسهم وأنه لا بدّ لهم منها عرفهم بما يلزمهم من الحقوق. وكل ما ذكر من الحقوق قد وردت به الأحاديث مفرقة تقدّم بعضها ويأتي بعضها.

المجلد الأول=>باب :الأخلاق=>قسم: كتاب جامع الأدب

كتاب سبل السلام في شرح بلوغ المرام للإمام الصنعاني رحمه الله