خلافة ابي العباس السفاح
 
لما بلغ أهل الكوفة مقتل ابراهيم بن محمد أراد أبو سلمة الخلال أن يحول الخلافة إلى آل علي إبن ابي طالب فغلبه بقية النقباء والأمراء وأحضروا أبا العباس السفاح وسلموا عليه بالخلافة وذلك بالكوفة وكان عمره إذ ذاك ستا وعشرين سنة وكان أول من سلم عليه بالخلافة أبو سلمة الخلال وذلك ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة فلما كان وقت صلاة الجمعة خرج السفاح على برذون أبلق والجنود ملبسه معه حتى دخل دار الإمارة ثم خرج إلى المسجد الجامع وصل بالناس ثم صعد المنبر وبايعه الناس وهو على المنبر في أعلاه وعمه داود إبن علي واقف دونه بثلاث درج وتكلم السفاح وكان أول ما نطق به أن قال الحمد لله الذي اصطفى الاسلام لنفسه دينا وكرمه وشرفه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه والقوام به والذابين عنه والناصرين له وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا أحق بها وأهلها خصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته ووضعنا بالإسلام وأهله في الموضع الرفيع وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتابا يتلى عليهم
فقال تعالى إنما يرد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى وقال وأنذر عشيرتك الأقربين وقال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين الاية فأعلمهم عز وجل فضلنا واوجب عليهم حقا ومودتنا وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وتفضله علينا والله ذو الفضل العظيم وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا فشاهت وجوههم أيها الناس بنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ونصرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا ورفع بنا الخسيسة وأتم النقيصة وجمع الفرقة حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دنياهم وإخوانا على سرر متقابلبين في أخراهم فتح الله علينا ذلك منه ومنحة بمحمد صلى الله عليه وسلم فلما قبضه إليه قام بذلك الامر بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم فحورا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصا منها ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها لانفسهم وتداولوها فجاروا فيها واستأثروا بها وظلموا أهلها فأملى الله لهم حينا فلما آسفونا انتقمنا منهم فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا ورد الله علينا حقنا وتدارك بنا امتنا وتولى أمرنا والقيام بنصرنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا واني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح وما توفيقنا أهل البيت الا بالله يا أهل الكوفة انتم محل محبتنا ومنزل مودتنا وانتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في اعطياتكم مائة درهم فاستعدوا فأنا السفاح الهائج والثائر المبير وكان به وعك فاشتد عليه حتى جلس على المنبر ونهض عمه داود فقال الحمد لله شكرا الذي أهلك عدونا وأصار الينا ميراثنا من بيتنا أيها الناس الآن انقشعت حنادس الظلمات وانكشف غطاؤها واشرقت ارضها وسماؤها فطلعت شمس الخلافة من مطلعها ورجع الحق إلى نصابه إلى أهل نبيكم أهل الرأفة والرحمة والعطف عليكم أيها الناس إنا والله ما خرجنا لهذا الامر لنكنز لجينا ولا عقيانا ولا لنحفر نهرا ولا لنبني قصرا ولا لنجمع ذهبا ولافضه وانما أخرجتنا لأتفه من إنتزاع حقنا والغضب لبني عمنا ولسوء سيرة بني أمية فيكم واستذلالهم لكم واستئثاركم بفيئكم وصدقاتكم فلكم علينا ذمة الله و ذمة رسوله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما انزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير في العامة والخاصة بسيرة رسول الله تبا تبا لبني أمية وبني مروان وآثروا العاجلة على آلاجلة والدار الفانيه على الدار الباقية فركبوا الآثام وظلموا الانام وارتكبوا المحارم وغشوا الجرائم وجاروا في سيرتهم في العباد وسنتهم في البلاد التي بها استلذوا تسربل الاوزار وتجبلب الآصار ومرحوا في اعنة المعاصي وركضوا في ميادين الغي جهلا منهم باستدراج الله وعميا عن أخذ الله وأمنا لمكر الله فأتاهم بأس الله بيانا وهم نائمون فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق فبعدا للقوم الظالمين وأدان الله من مروان وقد غره بالله الغرور أرسل عدو الله في عنانه حتى عثر جواده في فضل حطامه أظن عدوالله أن لن يقدر عليه أحد فنادى حزبه وجمع جنده ورمى بكتائبه فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته من مكر الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ومحق ضلاله وأحل دائرة السوء به وأحاط به خطيئته ورد إلينا حقنا وآوانا أيها الناس إن أمير المؤمنين نصره الله نصرا عزيزا إنما عاد إلى المنبر بعد صلاة الجمعة لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره وإنما قطعة عن استتمام الكلام شدة الوعك فادعو الله لأمير المؤمنين بالعافية فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتبع للسفلة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون المتوكل على الله المقتدي بالأبرار الأخيار الذين أصلحوا الارض بعد فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقى قال فعج الناس له بالدعاء ثم قال وإعلموا ياأهل الكوفة أنه لم يصعد منبركم هذا خليفه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمير المؤمنين على بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا وأشار بيده إلى السفاح واعلموا أن هذا ألامر فينا ليس بخارج عنا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم عليه السلام والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا ثم نزل أبو العباس وداود حتى دخلا القصر ثم دخل الناس يبايعون إلى العصر ثم من بعد العصر إلى الليل .
ثم إن أبا العباس خرج فعسكر بظاهر الكوفة واستخلف عليها عمه داود وبعث عمه عبد الله إبن علي إلى إبن عون بن أبي يزيد وبعث إبن اخيه عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة وهو يومئذ بواسط يحاصر إبن هبيرة وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروةبن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالاهواز وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن الطواف وأقام هو بالعسكر أشهرا ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية في قصر الإمارة وقد تنكر لابي سلمة الخلال وذلك لما كان بلغه عنه من العدول بالخلافة عن إبن العباس إلى آل على بن ابي طالب والله سبحانه وتعالى أعلم