ذكر من توفي فيها من الأعيان
 
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أبو عبد الملك الأموي آخر خلفاء بني أميه فقتل في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة كما تقدم ذلك مبسوطا وزيره عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بنى عامر بن لؤي الكاتب البليغ الذي يضرب به المثل فيقال فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان إماما في الكتابة وجميع فنونها وهو القدوة فيها وله رسائل في الف ورقة وأصله من قيسارية ثم سكن الشام وتعلم هذا الشأن من سالم مولى هشام بن عبد الملك وكان يعقوب بن داود وزير المهدي يكتب بين يديه وعليه تحرج وكان ابنه اسماعيل بن عبد الحميد ماهرا في الكتابة ايضا وقد كان أولا يعلم الصبيان ثم تقلبت به الاحوال أن صار وزيرا لمروان وقتله السفاح ومثل به وكان اللائق بمثله العفو عنه ومن مستجاد كلامه العلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة ومن كلامه وقد رأى رجلا يكتب بخطأ رديئا فقال أطل جلفة قلمك وأسمنها وحرف قطتك وأيمنها قال الرجل ففعلت ذلك فجاد خطي وسأله رجل أن يكتب له كتابا إلى بعض الأكابر يوصيه به فكتب إليه حق موصل كتابي إليك كحقه على إذ رآك موضعا لأمله ورآني أهلا لحاجته وقد قضيت أنا حاجته فصدق أنت أمل وكان كثيرا ما ينشد هذا البيت
إذا خرج الكتاب كان دويهم * قسيا وأقلام القسى لها نبلا
وأبو سلمة حفص بن سليمان هو أول من وزر لآل العباس قتله أبو مسلم بالأنبار عن أمر السفاح بعد ولايته بأربعة أشهر في شهر رجب وكان ذا هيئة فاضلا حسن المفاكهة وكان السفاح يأنس به ويحب مسامرته لطيب محاضرته ولكن توهم ميله لآل على فدس أبو مسلم عليه من قتله غيلة كما تقدم فأنشد السفاح عند قتله
إلى النار فليذهب ومن كان مثله * على أي شيء فاتنا منه نأسف
كان يقال له وزير آل محمد ويعرف بالخلال لسنكاه بدرب الخلالين بالكوفة وهو أول من سمي بالوزير وقد حكى إبن خلكان عن إبن قتيبة أن اشتقاق الوزير من الوزر وهو الحمل فكأن السلطان حمله أثقالا لإستناده إلى رأيه كما يلجأ الخائف إلى جبل يعتصم به .