ذكر خروج عبدالله بن علي بن إبن أخيه المنصور
 
لما رجع أبو جعفر المنصور من الحج بعد موت أخيه السفاح دخل الكوفة فخطب بأهلها يوم
الجمعه وصلى بهم ثم ارتحل منها إلى الانبار وقد أخذت له البيعه من أهل العراق وخراسان وسائر البلاد سوى الشام وقد ضبط عيسى بن علي بيوت الأموال والحواصل للمنصور حتى قدم فسلم إليه الأمر وكتب إلى عمه عبدالله بن علي يعلمه بوفاة السفاح فلما بلغه الخبر نادى في الناس الصلاة جامعه فاجتمع إليه الأمراء والناس فقرأ عليهم وفاة السفاح ثم قام فيهم خطيبا فذكر أن السفاح كان عهد إليه حين بعثه إلى مروان أنه إن كسره كان الأمر إليه من بعده وشهد له بذلك بعض أمراء العراق ونهضزا إليه فبايعوه ورجع إلى حران فتسلمها من نائب المنصور بعد محاصرة أربعين ليله وقتل مقاتل العتكى نائبها فلما بلغ المنصور ما كان من أمر عمه بعث إليه أبا مسلم الخراساني ومعه جماعة من الأمراء وقد تحصن عبدالله بن علي بن بحران وأرصد عنده مما يحتاج إليه من الأطعمة والسلاح شيئا كثيرا جدا فسار إليه أبومسلم الخراساني وعلى مقدمته مالك بن هيثم الخزاعي فلما تحقق عبدالله قدوم أبي مسلم إليه خشي من جيش العراق أن لا يناصحوه فقتل منهم سبعة عشر ألفا وأراد قتل حميد بن قحطبة فهرب منه إلى ابي مسلم فركب عبدالله بن علي فنزل على نصيبين وخندق حول عسكره وأقبل أبو مسلم فنزل ناحيته وكتب إلى عبد الله إني لم أومر بقتالك وانما بعثني أمير المؤمنين واليا على الشام فأنا أريدها فخاف جنود الشام من هذا الكلام فقالوا إنا نخاف على ذرارينا وديارنا وأموالنا فنحن نذهب اليها نمنعهم منه فقال عبدالله ويحكم والله لم يأت إلا لقتالنا فأبوا ألا يرتحلوا عن الشام فتحول عبدالله من منزله ذلك وقصد ناحية الشام فنهض أبو مسلم فنزل موضعه وغور ما حوله عن المياه وكان موضع عبدالله الذي تحول منه موضعا جيدا جدا فاحتاج عبدالله وأصحابه فنزلوا في موضع ابي مسلم فوجدوه منزلا رديئا ثم أنشأ أبومسلم القتال فحاربهم خمسة أشهر وكان على خيل عبدالله أخوه عبد الصمد بن علي وعلى ميمنته بكار بن مسلم العقيلي وعلى ميسرته حبيب بن سويد الأسدي وعلى ميمنته أبي مسلم الحسن بن قحطبه وعلى ميسرته أبو نصر خازم بن خزيم وقد جرتن بينهم وقعات وقتل منهم جماعات في أيام نحسات وكان أبو مسلم إذا حمل يرتجز وبقول
من كان ينوي أهله فلا رجع * فرمن الموت وفي الموت وقع
وكان يعمل له عرش فيكون فيه إذا التقى الجيشان فما رأى في جيشه من خلل أرسل فأصلحه فلما كان يوم الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون من جمادي الآخره التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فمكر بهم أبو مسلم بعث إلى الحسن بن قحطبة أمير الميمنه فأمره أن يتحول بمن معه إلا القليل إلى الميسرة فلما رأى ذلك أهل الشام انحازوا إلى الميمنه بازاء الميسره التي تعمرت فأرسل حينئذ أبو مسلم إلى القلب أن يحمل بمن بقي في الميمنه على ميسرة أهل الشام فحطموهم فجال أهل القلب
والميمنه من الشاميين فحمل الخراسانيون على أهل الشام وكانت الهزيمه وانهزم عبد الله بن علي بعد تلوم واحتاز أبو مسلم ماكان في معسكرهم وأمن أبو مسلم بقية الناس فلم يقتل منهم واحدا وكتب إلى المنصور بذلك فأرسل المنصور مولاه أبا الخطيب ليحصي ما وجدوا في معسكر عبدالله فغضب من ذلك أبو مسلم الخراساني واستوسقت الممالك لأبي جعفر المنصور ومضى عبدالله بن علي وأخوه عبد الصمد على وجهيهما فلما مرا بالرصافة أقام بها عبد الصمد فلما رجع أبو الخطيب وجده بها فأخذه معه مقيدا في الحديد فأدخله المنصور فدفعه إلى عيسى بن موسى فاستأمن له المنصور وقيل بل استأمن له إسماعيل بن علي واما عبدالله بن علي فانه ذهب إلى أخيه سليمان إبن علي بالبصرة فأقام عنده زمانا مختفيا ثم علم به المنصور فبعث إليه فسجنه في بيت بني أسامة على الملح ثم أطلق عليه الماء فذاب الملح وسقط البيت على عبدالله فمات وهذه من بعض دواهي المنصور والله سبحانه أعلم فلبث في السجن سبع سنين ثم سقط عليه في البيت الذي هو فيه فمات كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى