ترجمة المنصور
 
هو عبدالله بن محمد بن علي بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم أبوجعفر المنصور وكان أكبر من أخيه أبي العباس السفاح وأمه أم ولد أسمها سلامة وروى عن جده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه أورده ابن عساكر من طريق محمد بن إبراهيم السلمى عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن أبيه المنصور به بويع له بالخلافة بعد أخيه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وعمره يومئذ إحدى وأربعون سنة أنه ولد سنة خمس وتسعين
على المشهور في صفر منها بالحميمة من بلاد البلقاء وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنة إلا أياما وكان أسمر اللون موفور اللمة خفيف اللحية رحب الجبهة أقنى الأنف أعين كأن عينيه لسانان ناطقان يخالطه أبهمه الملك وتقبله القلوب وتتبعه العيون يعرف الشرف موطنه والعنف في صورته والليث في مشيته هكذا وصفه بعض من رآه وقد صح عن ابن عباس أنه قال منا السفاح والمنصور وفي روايه حتى نسلمها إلى عيسى بن مريم وقد روى مرفوعا ولا يصح ولا وقفه أيضا وذكر الخطيب أن أمه سلامة قالت رأيت حين حملت به كأنه خرج مني أسد فرأر واقفا على يديه فما بقي أسد حتى جاء فسجد له وقد رأى المنصور في صغره مناما غريبا كان يقول ينبغي أن يكتب في ألواح الذهب ويعلق في أعناق الصبيان فقال رأيت كأني في المسجد الحرام وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة والناس مجتمعون حولها فخرج من عنده مناد أين عبدالله فقام أخي السفاح يتخطى الرجال حتى جاء باب الكعبة فأخذ بيده فأدخله إياها فما لبث أن خرج ومعه لواء أسود ثم نودي أين عبدالله فقمت أنا وعمي عبدالله بن علي نستبق فسبقته إلى باب الكعبة فدخلتها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وبلال فعقد لي لواء وأوصاني بأمته وعممني عمامة كورها ثلاثة وعشرون كورا وقال خذها إليك أبا الخلفاءإلى يوم القيامه
وقد اتفق سجن المنصور في أيام بني أمية فاجتمع به نوبخت المنجم وتوسم فيه الرياسة فقال له ممن تكون فقال من بني العباس فلما عرف منه نسبه وكنيته قال أنت الخليفة الذي تلى الأرض فقال له ويحك ماذا تقول فقال هو ما أقول لك فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني شيئا إذا وليت فكتب له فلما ولي المنصور أعطاه وأسلم نوبخت على يديه وكان قبل ذلك مجوسيا ثم كان من أخص أصحاب المنصور وقد حج المنصور بالناس سنة أربعين ومائة وأحرم من الحيره وفي سنة أربع واربعين وفي سنة سبع وأربعين وفي سنة ثنتين وخمسين ثم في هذه السنة التي مات فيها وبنى بغداد والرصافة والرفقة وقصره الخلد
قال الربيع بن يونس الحاجب سمعت المنصور يقول الخلفاء أربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والملوك أربعة معاوية وعبدالملك بن مروان وهشام بن عبدالملك وانا وقال مالك قال لي المنصور من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبو بكر وعمر فقال أصبت وذلك رأي أمير المؤمنين وعن اسماعيل البهري قال سمعت المنصور على منبر عرفة يوم عرفه يقول أيها الناس إنما انا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه ورشده وخازنه على ماله أقسمه بإرادته وأعطيته بإذنه وقد جعلني الله عليه قفلا فان شاء أن يفتحنى لأعطياتكم وقسم أرزاقكم فتحني وإذا شاء أن يقفلني قفلني فارغبوا إلى الله ايها الناس وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي
وهبكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والأحسان اليكم ويفتحني لاعطياتكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم فإنه سميع مجيب
وقد خطب يوما فاعترضه رجل وهو يثني على الله عز وجل فقال يا أمير المؤمنين أذكر من أنت ذاكره واتق الله فيما تأتيه وتذره فسكت المنصور حتى أنتهى كلام الرجل فقال أعوذ بالله أن أكون ممن قال الله عز وجل فيه وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم أو أن اكون جبارا عصيا أيها الناس إن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا نبتت ثم قال للرجل ما أظنك في مقالتك هذه تريد وجه الله وإنما أردت أن يقال عنك وعظ أمير المؤمنين أيها الناس لا يغرنكم هذا فتفعلوا كفعله ثم أمر به فاحتفظ به وعاد إلى خطبته فأكملها ثم قال لمن هو عنده أعرض عليه الدنيا فان قبلها فأعلمني وأن ردها فأعلمني فما زال الرجل الذي عنده حتى أخذ المال ومال إلى الدنيا فولاه الحسبة والمظالم وأدخله على الخليفة في بزه حسنة وثياب وشارة وهيئة دنيوية فقال له الخليفة ويحك لوكنت محقا مريدا وجه الله بما قلت على رؤس الناس لما قبلت شيئا مما أرى ولكن أردت أن يقال عنك إنك وعظت أمير المؤمنين وخرجت عليه ثم أمر به فضربت عنقه وقد قال المنصور لابنه المهدي إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس عقلا من ظلم من دونه وقال أيضا يا بني استدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والطاعة بالتأليف والنصر بالتواضع والرحمة للناس ولاتنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله
وحضر عنده مبارك بن فضيلة يوما وقد أمر برجل أن يضرب عنقه وأحضر النطع والسيف فقال له مبارك سمعت الحسين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا فأمر بالعفو عن ذلك الرجل ثم أخذ يعدد على جلسائه عظيم جرائم ذلك الرجل وما صنعه وقال الاصمعي أتى المنصور برجل ليعاقبه فقال يا أمير المؤمنين الانتقام عدل والعفو فضل وتعوذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين وأدنى القسمين دون أرفع الدرجتين قال فعفا عنه
وقال الاصمعي قال المنصور لرجل من أهل الشام أحمد الله يا أعرابي الذي دفع عنكم الطاعون بولايتنا فقال ان الله لا يجمع علينا حشفا وسوء كيل ولا يتكم والطاعون والحكايات في ذكر حلمه وعفوه كثيرة جدا ودخل بعض الزهاد إلى المنصور فقال إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها واذكر ليلةتبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة تمخض عن
يوم لا ليلة بعده قال فأفحم المنصور قوله وأمر له بمال فقال لو احتجت إلى مالك لما وعظتك ودخل عمر بن عبيد القدري على المنصور فأكرمه وعظمه وقربه وسأله عن أهله وعياله ثم قال له عظني فقرأ عليه سورة الفجر ان ربك لبالمرصاد فبكى المنصور بكاء شديدا حتى كأنه لم يسمع يهذه الآيات من قبل ثم قال له زدني فقال إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها وإن هذا الامر كان لمن قبلك ثم صار اليك هو صائر لمن بعدك واذكر ليلة تسفر عن يوم القيامة فبكى المنصور أشد من بكائه الأول حتى اختلفت اجفانه فقال له سليمان بن مجالد رفقا بأمير المؤمنين فقال عمرو وماذا على أمير المؤمنين أن يبكي من خشية الله عز وجل ثم أمر له المنصور بعشرة الآف درهم فقال لا حاجة لي فيها فقال المنصور والله لتأخذنها فقال والله لا آخذنها فقال له المهدي وهو جالس في سواده وسيفه إلى جانب أبيه أيحلف أمير المؤمنين وتحلف أنت فالتفت إلى المنصور فقال ومن هذا فقال هذا ابني محمد ولي العهد من بعدي فقال عمرو إنك سميته اسما لم يستحقه لعمله وألبسته لبوسا ماهو لبوس الأبرار ولقد مهدت له أمرا أمتع ما يكون به أشغل ما يكون عنه ثم التفت إلى المهدي فقال يا ابن أخي إذا حلف أبوك وحلف عمك فلأن أبوك أيسر من أن يحنث عمك لأن أباك أقدر على الكفاره من عمك ثم قال المنصور يا أبا عثمان هل من حاجة قال نعم قال وماهي قال لا تبعث إلى حتى آتيك ولا تعطني حتى أسألك فقال المنصور إذا والله لا نلتقي فقال عمرو عن حاجتى سألتني فودعه وأنصرف فلما ولى أمده بصره وهو يقول
كلكم يمشي رويد * كلكم يطلب صيد
غير عمر بن عبيد
ويقال إن عمرو بن عبيد أنشد المنصور قصيدة في موعظة إياه وهي قوله
يا أيهذا الذي قد غره الأمل * ودون ما يأمل التنغيص والاجل
إلا ترى أنما الدنيا وزينتها * كمنزل الركب حلوا ثمت ارتحلوا
حتوفها رصد وعيشها نكد * وصفوها كدر وملكها دول
تظل تقرع بالروعات ساكنها * فما يسوغ له لبن ولا جذل
كأنه للمنايا والردى غرض * تظل فيه بنات الدهر تنتقل
والنفس هاربة والموت يطلبها * وكل عسرة رجل عندها جلل
والمرء يسعى لوارثه * والقبر وارث مايسعى له الرجل
وقال ابن دريد عن الرياشي عن محمد بن سلام قال رأت جارية للمنصور ثوبه مرقوعا فقالت خليفة وقميص مرقوع فقال ويحك أما سمعت ما قال ابن هرمة
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه * خلق وبعض قميصه مرقوع
وقال
وقال بعض الزهاد للمنصور أذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة مثلها واذكر ليلة تمخض عن يوم القيامة لا ليلة بعدها فأفخم المنصور قوله فأمر له بمال فقال لو احتجت إلى مالك ما وعظتك ومن شعره لما عزم على قتل أبي مسلم
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة * فإن فساد الرأي أن يترددا
ولا تمهل الأعداء يوم لغدره * وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا
ولما قتله ورآه طريحا بين يديه * قد أكتنفتك خلات ثلاث
جبلن عليك محتوم الحمام
خلافك وامتناعك من يمينى * وقودك للجماهير العظام
ومن شعره أيضا * المرء يأمل أن يعي
ش وطول عمر قد يضره
تبلى بشاشته ويب * قى بعد حلو العيش مره
وتخونه الايام حتى * لا يرى شيئا يسره
كم شامت بي إن هلك * ت وقائل لله دره
قالوا وكان لمنصور في أول النهار يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولايات ولعزل والنظر في مصالح العامة فاذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر فاذا صلاها جلس لأهل بيته ونظر في مصالحهم الخاصة فإذا صلى نظر في الكتب والرسائل الواردة من الآفاق وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل ثم يقوم إلى أهله فينام في فراشه إلى الثلث الآخر فيقوم إلى وضوئه وصلاته حتى يتفجر الصباح ثم يخرج فيصلى بالناس ثم يدخل فيجلس في إيوانه وقد ولى بعض العمال على بلد فبلغه أنه قد تصدى للصيد وأعد لذلك كلابا وبزاه فكتب إليه ثكلتك أمك وعشيرتك ويحك إنا إنما استكفيناك واستعملناك على أمور المسلمين ولم نستكفيك أمور الوحوش في البراري فسلم ماتلى من عملناإلى فلان والحق بأهلك ملوما مدحورا
وأتى يوما بخارجي قد هزم جيوش المنصور غير مرة فلما وقف بين يديه قال له المنصور ويحك يا ابن الفاعلة مثلك يهزم الجيوش فقال الخارجي ويلك سوأة لك بيني وبينك أمس السيف والقتل واليوم القذف والسب وما يؤمنك أن أراد عليك وقد يئست من الحياة فما استقبلها ابدا
قال فاستحى منه المنصور وأطلقه فما رأى له وجها إلى الحول وقال لابنه لما ولاه العهد يا بني ائتدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والنصر بالتواضع والتألف بالطاعة ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله
وقال أيضا يابني ليس العاقل من يحتال للأمر الذي وقع فيه حتى يخرج منه ولكن العاقل الذي يحتال للأمر الذي عشيه حتى لا يقع فيه وقال المنصور يا بني لا تجلس مجلسا إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك فإن الزهري قال علم الحديث ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال ولا يكرهه إلا مؤنثوهم وصدق أخو زهرة وقد كان المنصور في شيبته يطلب العلم من مظانه والحديث والفقه فنال جانبا جيدا وطرفا صالحا وقد قيل له يوما يا أمير المؤمنين هل بقى شيء من اللذات لم تنله قال شيء واحد قالوا وماهو قال قول المح للشيخ من ذكرت رحمك الله فاجتمع وزراؤه وكتابه وجلسوا حوله وقالوا ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث فقال لستم بهم إنما هم الدنسه ثيابهم المشققة أرجلهم الطويلة شعورهم رواد الآفاق وقطاع المسافات تارة بالعراق وتارة بالحجاز وتارة بالشام وتارة باليمن فهؤلاء نقلة الحديث
وقال يوم لابنه المهدي كم عندك من دابة فقال لا أدري فقال هذا هو التقصير فأنت لأمر الخلافة أشد تضييعا فاتق الله يا بني وقالت خالصة إحدى حظيات المهدي دخلت يوما على المنصور وهو يشتكي ضرسه ويداه على صدغيه فقال لي كم عندك من المال يا خالصة فقلت ألف درهم فقال ضعي يدك على رأسي واحلفي فقلت عندي عشرة الآف دينار قال اذهبي فاحمليها الي قالت فذهبت حتى دخلت على سيدي المهدي وهو مع وزوجته الخيزران فشكوت ذلك إليه فوكزني برجله وقال ويحك إنه ليس يع وجع ولكني سألته بالأمس مالا فتمارض وانه لا يسعك إلا ما أمرك به فذهبت إليه خالصة ومعها عشرة الآف دينار فاستدعى بالمهدي فقال له تشكو الحاجة وهذا كله عند خالصه وقال المنصور لخازنه إذا علمت بمجيء المهدي فأتني بخلقان الثياب فقال يا بني من ليس له خلق ليس له جديد وقد حضر الشتاء فنحتاج نعين العيال والولد فقال المهدي على كسوة أمير المؤمنين وعياله فقال دونك فافعل
وذكر ابن جرير عن الهيثم أن المنصور أطلق في يوم واحد لبعض أعمامه ألف ألف درهم وفي هذا اليوم فرق بي بيته عشرة الاف درهم ولا يعلم خليفة فرق مثل هذا في يوم واحد وقرأ بعض القراء عند المنصور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فقال والله لولا أن المال حصن

وقال إبن أبي الدنيا حدثني محمد بن إدريس سمعت أبا صالح كاتب الليث
للسلطان ودعامة للدين والدنيا وعزهما مابت ليلة واحدة وأنا احرز منه دينارا ولا درهما لما أجد لبذل المال من اللذة ولما أعلم في إعطائه من جزيل المثوبة وقرأ عنده قاريئ آخر ولا تجعل يدك مغلولةإلى عنقك ولا تبسطها كل البسط الآية فقال ما أحسن ما أدبنا ربنا عز وجل وقال المنصور سمعت على بن عبدالله يقول سادة أهل الدنيا الأسخياء وسادة أهل الآخرة الأتقياء
ولما عزم المنصور على الحج هذه السنة دعا ولده المهدي فأوصاه في خاصة نفسه وبأهل بيته عليه وبسائر المسلمين خيرا وعلمه كيف يفعل الاشياء وتسد الثغور وأوصاه بوصايا يطول بسطها وحرج عليه أن لا يفتح شيئا من خزائن المسلمين حتى يتحقق وفاته فان بها من الاموال ما يكفي المسلمين لو لم يجب إليهم من الخوارج درهم عشر سنين وعهد إليه أن يقضي ما عليه من الدين وهو ثلاثمائة ألف دينار فإنه لم ير قضاءها من بيت المال فامتثل المهدي ذلك كله وأحرم المنصور بحج وعمرة من الرصافة وساق بدنه وقال يا بني إني ولدت في ذي الحجة وقد وقع لي أن أموت في ذي الحجة وهذا الذي جرأني على الحج عامي هذا وودعه وسار واعتراه مرض الموت في أثناء الطريق فما دخل مكة إلا وهو ثقيل جدا فلما كان بآخر منزل نزله دون مكه إذا في صدر منزله مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم
ابا جعفر حانت وفاتك وانقضت * سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم * بك اليوم من كرب المنية مانع
فدعا بالحجبة فأقرأهم ذلك فلم يروا شيئا فعرف أن أجله قد نعى إليه قالوا ورأى المنصور في منامه ويقال بل هتف وهو يقول
أما ورب السكون والحرك * إن المنايا كثيرة الشرك
عليك يا نفس إن أسأت وإن * أحسنت يانفس كان ذاك لك
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل السلطان عن ملك * إذا انفضى ملكه إلى ملك
حتى يصير أنه إلى ملك * ما عز سلطانه بمشترك
ذاك بديع السماء والارض والمر * سى من الجبال المسخر الفلك
فقال المنصور هذا أوان حضور أجلي وانقضاء عمري وكان قد رأى قبل ذلك في قصره الخلد الذي بناه وتأنق فيه مناما أفزعه فقال للربيع ويحك يا ربيع لقد رأيت مناما هالني رأيت قائلا وقف في باب هذا القصر وهو يقول
كأني بهذا القصر قد باد أهله * وأوحش منه أهله ومنازله
وصار رئيس القصر من بعد بهجة * إلى جدث يبني عليه جنادله
فما أقام في الخلد إلا أقل من سنة حتى مرض في طريق الحج ودخل مكة مدنفا ثقيلا وكانت وفاته ليلة السبت لست وقيل لسبع مضين من ذي الحجة وكان آخر ما تكلم به أن قال اللهم بارك لي في لقائك وقيل انه قال يارب إن كنت عصيتك في أمور كثيرة فقد أطعتك في احب الاشياء اليك شهادة ان لا إله إلا الله مخلصا ثم مات وكان نقش ؟ خاتمه الله ثقة عبدالله وبه يؤمن وكان عمره يوم وفاته ثلاثا وستين سنة على المشهور منها ثنتان وعشرون سنة خليفة ودفن بباب المعلاة رحمه الله قال ابن جرير ومما رئى به قول سلم الخاسر الشاعر
عجبا للذي نعى الناعان * كيف فاهت بموته الشفتان
ملك أن عدا على الدهر يوما * أصبح الدهر ساقطا للجران
ليت كفا حثت عليه ترابا * لم تعد في يمنها ببنان
حين دانت له البلاد على العس * ف وأغضى من خوفه الثقلان
اين رب الزوراء قد قلدته ال * ملك عشرين خجة واثنتان
إنما المرء كالزناد إذا ما * أخذته قوادح النيران
ليس يثني هواه زجر ولا يق * دح في حبله ذوو الاذهان
قلدته أعنه الملك حتى * قاد أعداءه بغير عنان
يكسر الطرف دونه وترى اللاي * دي من خوفه على الاذقان
ضم أطراف ملكه ثم أضحى * خلف أقصاهم ودون الدانى
هاشمي التشمير لا يحمل الثق * ل على غارب الشرود الهدان
ذو أناة ينسى لها الخائف الخوف * وعزم يلوى بكل حنان
ذهبت دونه النفوس حذارا * غير أن الارواح في الابدان
وقد دفن عند باب المعلاة بمكة ولا يعرف قبره لأنه أعمى قبره فان الربيع الحاجب حفر مائة قبر ودفنه في غيرها لئلا يعرف