ثم دخلت سنة احدى وثمانين ومائة
 
فيها غزا الرشيد بلاد الروم فافتتح حصنا يقال له الصفصاف فقال في ذلك مروان بن أبي حفصة
إن أمير المؤمنين المنصفا * قد ترك الصفصاف قاعا صفصفا
وفيها غزا عبد الملك بن صالح بلاد الروم أنقرة وافتتح مطمورة وفيها تغلبت المحمرة على جرجان وفيها أمر الرشيد أن يكتب في صدور الرسائل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الثناء على الله عز وجل وفيها حج بالناس الرشيد وتعجل بالنفر وسأله يحى بن خالد أن يعفيه من الولاية فأعفاه وأقام يحي بمكة وفيها توفي
الحسن بن قحطبة تأحد أكابر الأمراء وحمزة بن مالك ولى إمره خراسان في أيام الرشيد وخلف بن خليفة شيخ الحسن بن عرفة عن مائة سنة
وعبد الله بن المبارك
أبو عبد الحمن المروزى كان أبوه تركيا مولى لرجل من التجار من بنى حنظلة من أهل همذان وكان ابن المبارك إذا قدمها أحسن إلى ولد مولاهم وكانت أمه خوارزمية ولد لثمان عشرة ومائة وسمع إسماعيل بن خالد والأعمش وهشام بن عروة وحميد الطويل وغيرهم من أئمة التابعين وحدث عنه خلائق من الناس وكان موصوفا بالحفظ والفقة والعربية والزهد والكرم والشجاعة والشعر له التصانيف الحسان والشعر الحسن المتضمن حكما جمة وكان كثير الغزو والحج وكان له رأس مال نحو أربعمائة ألف يدور يتجر به في البلدان فحيث اجتمع بعالم أحسن إليه وكان يربو كسبه في كل سنة على مائة ألف ينفقها كلها في أهل العبادة والزهد والعلم وربما أنفق من رأس ماله قال
سفيان بن عيينة نظرت في أمره وأمر الصحابة فما رأيتهم يفضلون عليه إلا في صحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إسماعيل بن عياش ما على وجه الأرض مثله وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك ولقد حدثنى أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم وقدم مرة الرقة وبها هارون الرشيد فلما دخلها احتفل الناس به وازدحم الناس حوله فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك فقالت ما للناس فقيل لها قدم رجل من علماء خراسان يقال له عبد الله بن المبارك فانجفل الناس إليه فقالت المرأة هذا هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذى يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة
وخرج مرة إلى الحج فاجتاز ببعض البلاد فمات طائر معهم فأمر بالقائه على مزبلة هناك وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها فأخذت ذلك الطائر الميت ثم لفته ثم أسرعت به إلى الدار فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة فقالت أنا وأخى هنا ليس لنا شئ إلا هذا الازار وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة وقد حلت لنا الميتة منذ أيام وكان أبونا له مال فظلم وأخذ ماله وقتل فأمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله كم معك من النفقة قال ألف دينار فقال عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو واعطها الباقي فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع
وكان إذا عزم على الحج يقول لأصحابه من عزم منكم في هذا العام على الحج فليأتي بنفقته حتى أكون أنا أنفق عليه فكان يأخذ منهم نفقاتهم ويكتب على كل صرة اسم صاحبها ويجمها في صندوق ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب وحسن الخلق والتيسير عليهم فإذا قضوا حجتهم فيقول لهم هل أوصاكم أهلوكم بهدية فيشترى لكل واحد منهم ما وصاه أهله من الهدايا المكية واليمنية وغيرها فاذا جاؤا إلى المدينة اشترى لهم منها الهدايا المدنية فاذا رجعوا الى بلادهم بعث من أثناء الطريق الى بيوتهم فأصلحت وبيضت ابوابها ورمم شعثها فاذا وصلوا إلى البلد عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم فأكلوا وكساهم ثم دعا بذلك الصندوق ففتحه وأخرج منه تلك الصرر ثم يقسم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم وهم شاكرون ناشرون لواء الثناء الجميل وكانت سفرته تحمل على بعير وحدها وفيها من أنواع المأكول من اللحم والدجاج والحلوى وغير ذلك ثم يطعم الناس وهو الدهر صائم في الحر الشديد وسأله مرة سائل فأعطاه درهما فقال له بعض أصحابه إن هؤلاء يأكلون الشواء والفالودج وقد كان يكفيه قطعة فقال والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز فأما إذا كان يأكل الفالوذج والشواء فإنه لا يكفيه درهم ثم أمر بعض غلمانه فقال رده وادفع إليه عشرة دراهم وفضائله ومناقبه كثيرة جدا
قال أبو عمر بن عبد البر أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله توفي عبد الله بن المبارك بهيت في هذه السنة في رمضانها عن ثلاث وستين سنة
ومفضل بن فضالة
ولى قضاء مصر مرتين وكان دينا ثقة فسأل الله أن يذهب عنه الأمل فأذهبه فكان بعد ذلك لا يهنئه العيش ولا شئ من الدنيا فسأل الله أن يرده عليه فرده فرجع إلى حاله
ويعقوب التائب
العابد الكوفي قال على بن الموفق عن منصور بن عمار خرجت ذات ليلة وأنا أظن أني قد أصبحت فاذا على ليل فجلست إلى باب صغير وإذا شاب يبكي وهو يقول وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك ولكن سولت لى نفسى وغلبتنى شقوتي وغرني سترك المرخى على فلأن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك عنى واسوأتاه على ما مضى من أيامى في معصية ربي يا ويلى كم أتوب وكم أعود قد حان لى أن أستحى من ربي عز وجل قال منصور فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون قال فسمعت صوتا واضطرابا شديدا فذهبت لحاجتي فلما رجعت مررت بذلك الباب فإذا جنازة موضوعة فسألت عنه فإذا ذاك الفتى قد مات من هذه الآية