ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة
 
فيها رجع الرشيد من الرقة إلى بغداد فأخذ الناس بأداء بقايا الخراج الذى عليهم وولى رجلا يضرب الناس على ذلك ويحبسهم وولى على أطراف البلاد وعزل وولى وقطع ووصل وخرج بالجزيرة أبو عمرو الشاري فبعث إليه الرشيد من قبله شهر زور وحج بالناس فيها إبراهيم بن محمد العباسى وفيها توفي
احمد بن الرشيد
كان زاهدا عابدا قد تنسك وكان لا يأكل إلا من عمل يده في الطين كان يعمل فاعلا فيه وليس يملك الا مروا وزنبيلا أى مجرفة وقفة وكان يعمل في كل جمعة بدرهم ودانق يتقرب بهما من الجمعة إلى الجمعة وكان لا يعمل إلا في يوم السبت فقط ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة وكان من زبيدة في قول بعضهم والصحيح أنه من امرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلام ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من ياقوت أحمر وأشياء نفيسة وأمرها إذا أفضت إليه الهلافة أن تأيتيه فلما صارت الخلافة إليه لم تأته ولا ولدها بل اختفيا وبلغه أنهما ماتا ولم يكن الأمر كذلك وفحص عنهما فلم يطلع لهما على خبر فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كدها ثم رجع إلى بغداد وكان يعمل في الطين ويأكل مدة زمانية هذا وهو ابن أمير المؤمنين ولا يذكر للناس من هو إلى أن اتفق مرضه في دار من كان يستعمله في الطين فمرضه عنده فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له صاحب هذا الخاتم يقول لك إياك أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين وأن يكون آخر العهد بك فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك وسيصير إلى غيرك وقد بلغك أخبار من مضى
قال فلما مات دفنه وطلبت الحضور عند الخليفة فلما أوقفت بين يديه قال ما حاجتك قلت هذا الخاتم دفعه إلى رجل وأمرنى أن أدفعه إليك وأوصاني بكلام أقوله لك فلما نظر الخاتم عرفه فقال ويحك وأين صاحب هذا الخاتم قال فقلت مات يا أمير المؤمنين ثم ذكرت الكلام الذى أوصاني به وذكرت له أنه يعمل بالفاعل في كل جمعة يوما بدرهم وأربع دوانيق أو بدرهم ودانق يتقوت به سائر الجمعة ثم يقبل على العبادة قال فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول والله لقد نصحتنى يابنى ثم بكى ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال أتعرف قبره قلت نعم أنا دفنته قال إذا كان العشى فائتنى فقال فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكى عنده حتى أصبح ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم وكتب له ولعياله رزقا وفيها مات
عبد الله بن مصعب
ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى والد بكار ألزمه الرشيد بولاية المدينة فقبلها بشروط عدل اشترطها فأجابه إلى ذلك ثم أضاف إليه نيابة اليمن فكان من أعدل الولاة وكان عمره يوم تولى نحوا من سبعين سنة
عبد الله بن عبد العزيز العمري
أدرك أبا طوالة وروى عن أبيه وإبراهيم بن سعد وكان عابدا زاهدا وعظ الرشيد يوما فأطنب وأطيب قال له وهو واقف على الصفا أتنظركم حولها يعنى الكعبة من الناس فقال كثير فقال كل منهم يسأل يوم القيامة عن خاصة نفسه وأنت تسأل عنهم كلهم فبكى الرشيد بكاء كثيرا وجعلوا يأتونه بمنديل بعد منديل ينشف به دموعه ثم قال له يا هارون إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه فيكيف بمن يسرف في أموال المسلمين كلهم ثم تركهم وانصرف والرشيد يبكى وله معه مواقف محمودة غير هذه توفي عن ست وستين سنة
ومحمد بن يوسف بن معدان
أبو عبد الله الأصبهاني أدرك التابعين ثم اشتغل بالعبادة والزهادة كان عبد الله بن المبارك يسميه عروس الزهاد وقال يحي بن سعيد القطان ما رأيت أفضل منه كان كأنه قد عاين وقال ابن مهدي ما رأيت مثله وكان لا يشتري خبزه من خباز واحد ولا بقله من بقال واحد كان لا يشترى إلا ممن لا يعرفه يقول أخشى أن يحابوني فأكون ممن يعيش بدينه وكان لا يضع جنبة للنوم صيفا ولا شتاء ومات ولم يجاوز الأربعين سنة رحمة الله