ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة
 
فيها رجع الرشيد من الحج وسار إلى الري فولى وعزل وفيها رد على بن عيسى إلى ولاية خراسان وجاءه نواب تلك البلاد بالهدايا والتحف من سائر الأشكال والألوان ثم عاد إلى بغداد فأدركه عيد الأضحى بقصر اللصوص فضحى عنده ودخل إلى بغداد لثلاث بقين من ذي الحجة فلما اجتاز بالجسر أمر بجثة جعفر بن يحي البرمكي فأحرقت ودفنت وكانت مصلوبة من حين قتل إلى هذا اليوم ثم ارتحل الرشيد من بغداد إلى الرقة ليسكنها وهو متأسف على بغداد وطيبها وإنما مراده بمقامه بالرقة ردع المفسدين بها وقد قال العباس بن الأحنف في خروجهم من بغداد مع الرشيد
ما أنخنا حتى ارتحلنا فما ن * فرق بين المناخ والارتحال
ساءلونا عن حالنا إذ قدمنا * فقرنا وداعهم بالسؤال
وفيها فادى الرشيد الأسارى من المسلمين الذين كانوا ببلاد الروم حتى يقال إنه لم يترك بها أسيرا من المسلمين فقال فيه بعض الشعراء
وفكت بك الأسرى التي شيدت لها * محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها * وقالوا سجون المشركين قبورها
وفيها رابط القاسم بن الرشيد بمرج دابق يحاصر الروم وفيها حج بالناس العباس بن موسى ابن محمد بن على بن عبد الله بن عباس
ذكر من توفي فيها من الأعيان
على بن حمزة بع عبد الله بن فيروز أبو الحسن الأسدى مولاهم الكوفي المعروف بالكسائي لاحرامه في كساء وقيل لاشتغاله على حمزة الزيات في كساء كان نحويا لغويا أحد أئمة القراء أصله
من الكوفة ثم استوطن بغداد فأدب الرشيد وولده الأمين وقد قرأ على حمزة بن حبيب الزيات قراءته وكان يقرئ بها ثم اختار لنفسه قراءة وكان يقرأ بها وقد روى عن أبي بكر بن عياش وسفيان بن عيينة وغيرهما وعنه يحي بن زياد الفراء وأبو عبيد قال الشافعي من أراد النحو فهو عيال على الكسائي أخذ الكسائي عن الخليل صناعة النحو فسأله يوما عن من أخذت هذا العلم قال من بوادي الحجاز فرحل الكسائي إلى هناك فكتب عن العرب شيئا كثيرا ثم عاد إلى الخليل فإذا هو قد مات وتصدر في موضعه يونس فجرت بينهما مناظرات أقر له فيها يونس بالفضل وأجلسه في موضعه
قال الكسائي صليت يوما بالرشيد فأعجبتنى قراءتي فغلطت غلطة ما غلطها صبي أردت أن أقول لعلهم يرجعون فقلت لعلهم ترجعين فما تجاسر الرشيد أن يردها فلما سلمت قال أى لغة هذه فقلت إن الجواد قد يعثر فقال أما هذا فنعم وقال بعضهم لقيت الكسائي فإذا هو مهموم فقلت مالك فقال إن يحي بن خالد قد وجه إلى ليسألنى عن أشياء فأخشى من الخطأ فقلت قل ما شئت فأنت الكسائي فقال قطعه الله يعنى لسانه إن قلت ما لم أعلم وقال الكسائي يوما قلت لنجار بكم هذان البابان فقال بسالجيان يا مصفعان
توفي الكسائي في هذه السنة على المشهور عن سبعين سنة وكان في صحبة الرشيد ببلاد الري فمات بنواحيها هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد وكان الرشيد يقول دفنت الفقة والعربية بالري قال ابن خلكان هو ومحمد بن الحسن في يوم واحد وكان الرشيد يقول دفنت الفقة والعربية بالري قال ابن خلكان وقيل إن الكسائي توفي بطوس سنة ثنتين وثمانين ومائة وقد رأى بعضهم الكسائي في المنام ووجهه كالبدر فقال ما فعل بك ربك فقال غفر لي بالقرآن فقلت ما فعل حمزة قال ذاك في عليين ما نراه إلا كما نرى الكوكب وفيها توفي
محمد بن الحسن بن زفر
أبو عبد الله الشيباني مولاهم صاحب أبي حنيفة أصله من قرية من قرى دمشق قدم أبوه العراق فولد بواسط سنة ثنتين ومائة ونشأ بالكوفة نسمع من أبي حنيفة ومسعر والثوري وعمر بن ذر ومالك بن مغول وكتب عن مالك بن أنس والأوزاعي وابي يوسف وسكن بغداد ثم عزله وكان يقول لأهله لا تسألوني حاجة من حاجات الدنيا فتشغلوا قلبي وخذوا ما شئتم من مالي فإنه أقل لهمى وأفرغ لقلبي وقال الشافعي ما رأيت حبرا سمينا مثله ولا رأيت أخف روحا منه ولا أفصح منه كنت إذا سمعته يقرأ القرآن كأنما ينزل القرآن بلغته وقال أيضا ما رأيت أعقل منه كان يملأ العين والقلب قال الطحاوي كان الشافعي قد طلب من محمد بن الحسن
كتاب السير فلم يجبه إلى الاعارة فكتب إليه
قل للذي لم تر عيناى مثله * حتى كان من رآه قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله * لعله ببذله لأهله لعله
قال فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية وقال إبراهيم الحربي قيل لأحمد بن حنبل هذه المسائل الدقاق من اين هي لك من كتب محمد بن الحسن رحمه الله وقد تقدم أنه مات هو والكسائي في يوم واحد من هذه السنة فقال الرشيد دفنت اليوم اللغة والفقه جميعا وكان عمره ثمانية وخمسين سنة