ثم دخلت سنة تسعين ومائة من الهجرة
 
فيها خلع رافع بن ليث بن نصر بن سيار نائب سمرقند الطاعة ودعا إلى نفسه وتابعه أهل بلده وطائفة كثيرة من تلك الناحية واستفحل أمره فسار إليه نائب خراسان على بن عيسى فهزمه رافع وتفاقم الأمر به وفيها سار الرشيد لغزو بلاد الروم لعشر بقين من رجب وقد لبس على رأسه قلنسوة فقال فيها أبو المعلا الكلابي
فمن يطلب لقاءك أو يرده * فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر * وفي أرض الترفه فوق كور
وما حاز الثغور سواك خلق * ومن المتخلفين على الأمور
فسار حتى وصل إلى الطوانة فعسكر بها وبعث إليه نقفور إليه بالطاعة وحمل الخراج والجية حتة عن رأس ولده ورأسه وأهل مملكته في كل سنة خمسة عشر ألف دينار وبعث يطلب من الرشيد جارية قد أسروها وكانت ابنة ملك هرقلة وكان قد خطبها على ولده فبعث بها الرشيد مع هدايا وتحف وطيب بعث يطلبه من الرشيد واشترط عليه الرشيد أن يحمل في كل سنة ثلثمائة ألف دينار وأن لا يعمر هرقلة ثم انصرف الرشيد راجعا واستناب على الغزو عقبة بن جعفر ونقض أهل قبرص العهد فغزاهم معيوف بن يحي فسبى أهلها وقتل منهم خلقا كثيرا وخرج رجل من عبد القيس فبعث إليه الرشيد من قتله وحج بالناس فيها عيسى بن موسى الهادي
من توفي فيها من الأعيان والمشاهير
أسد بن عمرو بن عامر أبو المنذر البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفه حكم ببغداد وبواسط فلما انكف بصره عزل نفسه عن القضاء قال أحمد بن حنبل كان صدوقا ووثقه ابن معين وتكلم فيه على بن المدينى والبخاري وسعدون المجنون صام ستين سنة فخف دماغه فسماه الناس مجنونا وقف يوما على حلقة ذي النون المصري فسمع كلامه فصرخ ثم أنشأ يقول
ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى * ولا بد من شكوى إذا لم يكن صبر
وقال الاصمعي مررت به وهو جالس عند رأس شيخ سكران يذب عنه فقلت له مالي أراك عند رأس هذا الشيخ فقال إنه مجنون فقلت أنت مجنون أو هو قال لا بل هو لأني صليت الظهر والعصر في جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى وهو مع هذا قد شرب الخمر وأنا لم أشربها قلت فهل قلت في هذا شيئا قال نعم ثم أنشأ يقول
تركت النبيذ لأهل النبيذ * وأصبحت أشرب ماء قراحا
لأن النبيذ يذل العزيز * ويكسو السواد الوجود الصباحا
فان كان ذا جائزا للشباب * فما العذر منه إذا الشيب لاحا
قال الأصمعي فقلت له صدقت أنت العاقل وهو المجنون
وعبيدة بن حميد بن صهيب أو عبد الرحمن التميمي الكوفي مؤدب الأمين روى عن الأعمش وغيره وعنه أحمد بن حنبل وكان يثنى عليه وفيها توفي
يحي بن خالد بن برمك
أبو على الوزير والد جعفر البرمكي ضم إليه المهدي ولده الرشيد فرباه وأرضعنه امرأته مع الفضل بن يحي فلما ولى الرشيد عرف له حقه وكان يقول قال أبي قال أبي وفوض إليه أمور الخلافة وأزمتها ولم يزل كذلك حتى نكبت البرامكة فقتل جعفر وخلد أباه يحي في الحبس حتى مات في هذه السنة وكان كريما فصيحا ذا رأى سديد يظهر من أموره خير وصلاح قال يوما لولده خذوا من كل شئ طرفا فإن من جهل شيئا عاداه وقال لأولاده اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون وكان يقول لهم إذا أقبلت الدنيا فأنفقوا منها فانها لا تبقى وإذا أدبرت فأنفقوا منها فإنها لا تبقى وكان إذا سأله في الطريق وهو راكب أقل ما يأمر له بمائتي درهم فقال رجل يوما
يا سمى الحصور يحي * أتيحت لك من فضل ربنا جنتان
كل من مر في الطريق عليكم * فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلى قليل * هي للفارس العجلان
فقال صدقت وأمر فسبق به إلى الدار فلما رجع سأل عنه فاذا هو قد تزوج وهو يريد أن يدخل على أهله فأعطاه صداقها أربعة آلاف وعن دار أربعة آلاف وعن الأمتعة أربعة آلاف وكلفه الدخول أربعة آلاف وأربعة آلاف يستظهر بها وجاء رجل يوما فسأله شيئا فقال ويحك لعد جئتنى في وقت لا أملك فيه مالا وقد بعث إلى صاحب لي يطلب منى أن يهدى إلى ما أحب لقد جئتنى في وقت لا أملك فيه مالا وقد بعث إلى صاحب لى يطلب منى أن يهدى إلى ما أحب وقد بلغني أنك تريد ان تبيع جارية لك وأنك قد أعطيت فيها ثلاثة آلاف دينار وإني سأطلبها
فلا تبعها منه بأقل من ثلاثين ألف دينار فجاؤني فبلغوا معي بالمساومة إلى عشرين ألف دينار فلما سمعتها ضفف قلبي عن ردها وأحببت إلى بيعها فأخذها وأخذت العشرين ألف دينار فأهداها إلى يحي فلما اجتمعت بيحي قال بكم بعتها قلت بعشرين ألف دينار قال إنك لخسيس خذ جاريتك إليك وقد بعث إلى صاحب فارس يطلب منى أن أستهديه شيئا وإني سأطلبها منه فلا تبها بأقل من خمسين ألف دينار فجاؤني فوصلوا في ثمنها إلى ثلاثين ألف دينار فبعتها منهم فما جئته لا منى أيضا وردها على فقلت أشهدك أنها حرة وأني قد تزوجتها وقلت جارية قد أفادتني خمسين ألف دينار لا أفرط فيها بعد اليوم
وذكر الخطيب أن الرشيد طلب من منصور بن زياد عشرة آلاف درهم ولم يكن عنده منها سوى ألف ألف درهم فضاق ذرعا وقد توعده بالقتل وخراب الديار إن لم يحملها في يومه ذلك فدخل على يحي بن خالد وذكر أمره فأطلق له خمسة آلاف ألف واستطلق له من ابنه الفضل ألفي ألف وقال لابنه يا بنى بلغني أنك تريد أن تشتري بها ضيعة وهذه ضيعة تغل الشكر وتبقى مدى الدهر وأخذ له من ابنه جعفر ألف ألف ومن جاريته دنانير عقدا اشتراه بمائة ألف دينار وعشرون ألف دينار وقال للمترسم عليه قد حسبناه عليك بألفي ألف فلما عرضت الأموال على الرشيد رد العقد وكان قد وهبه لجارية يحي فلم يعد فيه بعد إذ وهبه وقال له بعض بنيه وهم في السجن والقيود يا أبت بعد الأمر والنهي والنعمة صدنا إلى هذا الحال فقال يا بنى دعوه مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها ثم أنشأ يقول
رب قوم قد غدوا في نعمة * زمنا والدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم * ثم أبكاهم دما حين نطق
وقد كان يحيى بن خالد هذا يجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألف درهم وكان سفيان يدعو له سجوده يقول اللهم انه قد كفاني المؤنة وفرغني للعباده فاكفه أمر آخرته فلما مات يحيى رآه بعض اصحابه في المنام فقال ما فعل الله بك قال غفر لي بدعاء سفيان وقد كان وفاة يحي بن خالد رحمه الله في الحبس في الرافقة لثلاث خلون من المحرم من هذه لسنة عن سبعين سنة وصلى عليه ابنه الفضل ودفن على شط الفرات وقد وجد في جيبه رقعة مكتوب فيها بخطه قد تقدم الخصم والمدعا عليه بالأثر والحاكم الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينه فحملت إلى الرشيد فلما قرأها بكى يومه ذلك وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه وقد قال بعض الشعراء في يحي بن خالد
سألت الندا هل أنت حر فقال لا * ولكنني عبد ليحي بن خالد
فقلت شراء قال لابل وراثه * توارث رقي والد بعد والد