سبب خلع الأمين وكيف افضت الخلافة الى أخيه المأمون
 
لما أصبح الحسين بن على بن ماهان ولم يذهب إلى الأمين لما طلبه وذلك بعد مقدمة بالجيش من الشام قام في الناس خطيبا وألبهم على الأمين وذكر لعبه وما يتعاطاه من اللهو وغير ذرك من المعاصي وأنه لا تصلح الخلافه لمن هذا حاله وأنه يريد أن يوقع البأس بين الناس ثم حثهم على القيام عليه والنهوض إليه وندبهم لذلك فالتف عليه خلق كثير وحم غفير وبعث محمد الأمين إليه خيلا فاقتتلوا مليا من النهار فأمر الحسين أصحابه بالترجل إلى الأرض وأن يقاتلوا بالسيف والرماح فانهزم جيش الأمين وخلعه وأخذ البيعة لعبد الله المأمون وذلك يوم الأحد الحادي عشر من شهر رجب من هذه السنة ولما كان يوم الثلاثاء نقل الأمين من قصره إلى قصر أبي جعفر وسط بغداد وضيق عليه وقيده واضطهده وأمر العباس بن عيسى بن موسى أمه زبيدة أن تنتقل إلى هناك فامتنعت فضربها بالسوط وقهرها على الانتقال فنتقلت مع أولادها فلما أصبح الناس يوم الأربعاء طلبوا من الحسين بن على أعطياتهم واختلفوا عليه وصار أهل بغداد فرقتين فرقة مع الأمين وفرقة عليه فاقتتلوا قتالا شديدا فغلب حزب الخليفة أولئك وأسروا الحسين بن على ابن عيسى بن ماهان وقيدوه ودخلوا به على الخليفة ففكوا عنه قيوده وأجلسوا على سريره فعند ذلك أمر الخليفة من لم يكن معه سلاح من العامة أن يعطى سلاحا من الخزائن فانتهب الناس الخزائن التي فيها السلاح بسبب ذلك وأمر الأمين فأتى بالحسين بن على بن عيسى فلامه على ما صدر منه فاعتذر إليه بأن عفو الخليفة حمله على ذلك فعفا عنه وخلع عليه واستوزره وأعطاه
الخاتم وولاه ما وراء بابه وولاه الحرب وسيره إلى حلوان فلما وصل إلى الجسر هرب في حاشيته وخدمه فبعث إليه الأمين من يرده فركبت الخيول وراءه فأدركوه فقاتلهم وقاتلوه فقتلوه لمنتصف رجب وجاؤا برأسه إلى الأمين وجدد الناس البيعة للأمين يوم الجمعة ولماقتل الحسين بن على بن عيسى هرب الفضل بن الربيع الحاجب واستحوذ طاهر بن الحسين على أكثر البلاد للمأمون واستناب بها النواب وخلع أكثر أهل الأقاليم الأمين وبايعوا المأمون ودنا طاهر إلى المدائن فأخذها مع واسط وأعمالها واستناب من جهته على الجهاز واليمن والجزيرة والموصل وغير ذلك ولم يبق مع الأمين من البلاد إلا القليل وفي شعبان منها عقد الأمين أربعمائة لواء مع كل لواء أمير وبعثهم لقتال هرثمة فالتقوا في شهر رمضان فكسرهم هرثمة وأسر مقدمهم على بن محمد بن عيسى بن نهيك وبعث به إلى المأمون وهرب جماعة من جند طاهر فساروا إلى الأمين فأعطاهم أموالا كثيرة وأكرمهم وغلف لحاهم بالغالية فسموا جيش الغالية ثم ندبهم الأمين وأرسل معهم جيشا كثيفا لقتال طاهر فهزمهم طاهر وفرق شملهم وأخذ ما كان معهم واقترب طاهر من بغداد فخاصرها وبعث القصاد والجواسيس يلقون الفتنة بين الجند حتى تفرقوا شيعا ثم وقع بين الجيش وتشعبت الأصاغر على الأكابر واختلفوا على الأمين في سادس دي الحجة فقال بعض البغاددة
قل لأمين الله في نفسه * ماشئت الجند سوى الغالية
وطاهر نفسي فدا طاهر * برسله والعدة الكافية
أضحى زمام الملك في كفه * مقاتلا للفئة الباغية
يا ناكثا أسلمه نكثه * عيوبه في خبثه فاشيه
قد جاءك الليث بشداته * مستكلبا في أسد ضارية
فاهرب ولا مهرب من مثله * إلا إلى النار أو الهاوية
فتفرق على الأمين شمله وحار في أمره وجاء بن الحسين بجيوشه فنزل على باب الأنبار يوم الثلاثاء لثنتى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة واشتد الحال على أهل البلد وأخاف الدعار والشطار أهل الصلاح وخربت الديار وثارت الفتنة بين الناس حتى قاتل الأخ أخاه للاهواء المختلفه والابن أباه وجرت شرور عظيمة واختلفت الأهواء وكثر الفساد والقتل داخل البلد
وحج بالناس فيها العباس بن موسى بن عيسى الهاشمى من قبل طاهر ودعا للمأمون بالخلافة بمكة والمدينة وهو أول موسم دعى فيه للمأمون
وفيها توفي بقيه بن الوليد الحمصى إمام اهل حمص وفقيهها ومحدثها
وحفص بن غياث القاضي
عاش فوق التسعين ولما احتضر بكى بعض أصحابه فقال له لا تبك والله ما حللت سراويلي على حرام قط ولا جلس بين يدي خصمان فباليت على من وقع الحكم عليه منهما قريبا كان أو بعيدا ملكا أو سوقة
وعبد الله بن مرزوق أبو محمد الزاهد كان وزيرا للرشيد فترك ذلك كله وتزهد وأوصى عند موته أن يطرح قبل موته على مزبلة لعل الله أن يرحمه
ابو شيص
الشاعر محمد بن زريق بن سليمان كان أستاذ الشعراء وإنشاء الشعر ونظمه أسهل عليه من شرب الماء كذا قال ابن خلكان وغيره وكان هو وأبو مسلم بن الوليد الملقب صريع الغواني وأبو نواس ودعبل يجتمعون ويتناشدون وقد عمى أبو الشيص في آخر عمره ومن جيد شعره قوله
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لى * متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمنى اللوم
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم * إذ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتنى فأهنت نفسي صاغرا * ما من يهون عليك ممن تكرم