ثم دخلت سنة ثمان ومائتين
 
فيها ذهب الحسن بن الحسين بن مصعب أخو طاهر فارا من خراسان إلى كرمان فعصى بها فسار إليه أحمد بن أبي خالد فحاصره حتى نزل قهرا فذهب به إلى المأمون فعفا عنه فاستحسن ذلك منه وفيها استعفى محمد بن سماعة من القضاء فأعفاه المأمون وولي مكانه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة وفيها ولي المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي القضاء بعسكر المهدي في شهر المحرم ثم عزله عن قريب وولي مكانه بشر بن سعيد بن الوليد الكندي في شهر ربيع الأول منها فقال المخزومي في ذلك
ألا أيها الملك الموحد ربه * قاضيك بشر بن الوليد حمار
ينفي شهادة من يدين بما به * نطق الكتاب وجاءت الأخبار
ويعد عدلا من يقول بأنه * شيخ تحيط بجسمه الأقطار
وفيها حج بالناس صالح بن هارون الرشيد عن أمر أخيه المأمون
وفيها توفي من الأعيان الأسود بن عامر وسعيد بن عامر وعبد الله بن بكر أحد مشايخ الحديث والفضل بن الربيع الحاجب ومحمد بن مصعب وموسى بن محمد الأمين الذي كان قد ولاه العهد من بعده ولقبه بالناطق فلم يتم له أمره حتى قتل أبوه وكان ما كان كما تقدم ويحي بن أبي بكر ويحي بن حسان ويعقوب بن إبراهيم الزهري ويونس بن محمد المؤدب
وفاة السيدة نفيسه
وهي نفيسة بنت أبي محمد الحسن بن زيد بن على بن أبي طالب القرشية الهاشمية كان أبوها نائبا للمنصور على المدينة النبوية خمس سنين ثم غضب المنصور عليه فعزله عنها وأخذ منه كل ما كان يملكه وما كان جمعه منها وأودعه السجن ببغداد فلم يزل به حتى توفي المنصور فأطلقه المهدي وأطلق له كل ما كان أخذ منه وخرج معه إلى الحج في سنة ثمان وستين ومائة فلما كان بالحاجر توفي عن خمس وثمانين سنة وقد روى له النسائي حديثه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهم محمرم وقد ضعفه ابن معين وابن عدي ووثقه ابن حبان وذكره الزبير بن بكار وأثنى عليه في رياسته وشهامته والمقصود أن ابنته نفيسة دخلت الديار المصرية مع زوجها المؤتمن إسحاق بن جعفر فأقامت بها وكانت ذات مال فأحسنت إلى الناس والجذمى والزمنى والمرضى وعموم الناس وكانت عابدة زاهدة كثيرة الخير ولما ورد الشافعي مصر أحسنت إليه وكان ربما صلى بها في شهر رمضان وحين مات أمرت بجنازته فأدخلت إليها المنزل فصلت عليه ولما توفيت عزم زوجها إسحاق بن جعفر أن ينقلها إلى المدينة النبوية فمنعه أهل مصر من ذلك وسألوه أن يدفنها عندهم فدفنت في المنزل الذي كانت تسكنه بمحلة كانت تعرف قديما بدرب السباع بين مصر والقاهرة وكانت وفاتها في شهر رمضان من هذه السنة فيما ذكره ابن خلكان قال ولأهل مصر فيها اعتقاد قلت وإلى الآن قد بالغ العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرا جدا ولا سيما عوام مصر فانهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك وألفاظا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنه لا تجوز وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين وليست من سلالته والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويه القبور وطمسها والمغالاة في البشر حرام
ومن زعم أنها تفك من الخشب أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك رحمها الله وأكرمها
الفضل بن الربيع
ابن يونس بن محمد بن عبدالله بن أبي فروة كيسان مولى عثمان بن عفان كان الفضل هذا متمكنا من الرشيد وكان زوال دولة البرامكة على يديه وقد وزر مرة للرشيد وكان شديد التشبه بالبرامكة وكانوا يتشبهون به فلم يزل يعمل جهده فيهم حتى هلكوا كما تقدم وذكر ابن خلكان أن الفضل هذا دخل يوما على يحي بن خالد وابنه جعفر يوقع بين يديه ومع الفضل عشر قصص فلم يقض له منها واحدة فجمعهن الفضل بن الربيع وقال ارجعن خائبات خاسئات ثم نهض وهو يقول
عسى وعسى يثني الزمان عنانه * بتصريف حال والزمان عثور
فتقضى لبانات وتشفى حزائز * وتحدث من بعد الأمور أمور
فسمعه الوزير يحي بن خالد فقال له أقسمت عليك لم رجعت فأخذ منه القصص فوقع عليها ثم لم يزل يحفر خلفهم حتى تمكن منهم وتولى الوزارة بعدهم وفي ذلك يقول أبو نواس
ما رعى الدهر آل برملك لما * أن رمى ملكهم بأمر فظيع
إن دهرا لم يرع ذمه ليحي * غير راع ذمام آل الربيع
ثم وزر من بعد الرشيد لابنه الأمين فلما دخل المأمون بغداد اختفى فأرسل له المأمون أمانا فخرج فجاء فدخل على المأمون بعد اختفاء مدة فأمنه ثم لم يزل خاملا حتى مات في هذه السنة وله ثمان وستون سنة