فصل
 
فلما وصلت جوابات القوم إلى المأمون بعث إلى نائبه يمدحه على ذلك ويرد على كل فرد فرد ما قال في كتاب أرسله وأمر نائبه أن يمتحنهم أيضا فمن أجاب منهم شهر أمره في الناس ومن لم يجب منهم فابعثه إلى عسكر أمير المؤمنين مقيدا محتفظا به حتى يصل إلى أمير المؤمنين فيرى فيه
رأيه ومن رأيه أن يضرب عنق من لم يقل بقوله فعند ذلك عقد النائب ببغداد مجلسا آخر وأحضر أولئك وفيهم إبراهيم بن المهدي وكان صاحبا لبشر بن الوليد الكندي وقد نص المأمون على قتلهما إن لم يجيبا على الفور فلما امتحنهم إسحاق أجابوا كلهم مكرهين متأولين قوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان الآيه إلا إربعة وهم أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح والحسن ابن حماد سجاده وعبيد الله بن عمر القواريري فقيدهم وأرصدهم ليبعث بهم إلى المأمون ثم استدعى بهم في اليوم الثاني فامتحنهم فأجاب سجاده إلى القول بذلك فأطلق ثم امتحنهم في اليوم الثالث فأجاب القواريري إلى ذلك فأطلق قيده وأخر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح الجديسابوري لأنهما أصرا على الامتناع من القول بذلك فأكد قيودهما وجمعهما في الحديد وبعث بهما إلى الخليفة وهو بطرسوس وكتب كتابا بإرسالهما إليه فسارا مقيدين في محمارة على جمل متعادلين رضى الله عنهما وجعل الإمام أحمد يدعو الله عز وجل أن لا يجمع بينهما وبين المأمون وأن لا يرياه ولا يراهما ثم جاء كتاب المأمون إلى نائبه أنه قد بلغني أن القوم إنما أجابوا مكرهين متأولين قوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان الآية وقد أخطأوا في تأويلهم ذلك خطأ كبيرا فارسلهم كلهم إلى أمير المؤمنين فاستدعاهم إسحاق والزمهم بالمسير إلى طرسوس فساروا إليها فلما كانوا ببعض الطريق بلغهم موت المأمون فردوا إلى الرقة ثم أذن لهم بالرجوع إلى بغداد وكان أحمد ابن حنبل وابن نوح قد سبقا الناس ولكن لم يجتمعا به بل أهلكه الله قبل وصولهما إليه واستجاب الله سبحانه دعاء عبده ووليه الإمام أحمد بن حنبل فلم يريا المأمون ولا رآهما بل ردوا إلى بغداد وسيأتي تمام ما وقع لهم من الأمر الفظيع في أول ولاية المعتصم بن الرشيد وتمام باقي الكلام على ذلك في ترجمة الإمام أحمد عند ذكر وفاته في سنة إحدى وأربعين ومائتين وبالله المستعان