ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين
 
في يوم الخميس ثالث صفر منها دخل الأفشين وصحبته بابك على المعتصم سامرا ومعه أيضا أخو بابك في تجمل عظيم وقد أمر المعتصم ابنه هارون الواثق أن يتلقى الأفشين وكانت أخباره تفد إلى المعتصم في كل يوم من شدة اعتناء المعتصم بأمر بابك وقد ركبب المعتصم قبل وصول بابك بيومين على البريد حتى دخل إلى بابك وهو لا يعرفه فنظر إليه ثم رجع فلما كان يوم دخوله عليه تأهب المعتصم واصطف الناس سماطين وأمر بابك أن يركب على فيل ليشهر أمره ويعرفوه وعليه قباء ديباج وقلنسوة سمور مدورة وقد هيئوا الفيل وخضبوا أطرافه ولبسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به كثيرا وقد قال فيه بعضهم
قد خضب الفيل كعاداته * يحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤة * الا الذي شأن من الشان
ولما أحضر بين يدي المعتصم أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه ثم أمر بحمل رأسه إلى خراسان وصلب جثته على خشبة بسامرا وكان بابك قد شرب الخمر ليلة قتله وهي ليلة الخميس لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر من هذه السنة وكان هذا الملعون قد قتل من المسلمين في مدة ظهوره وهي عشرون سنة مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان قاله ابن جرير وأسر خلقا لا يحصون وكان جملة من استنقذه الأفشين من أسره نحوا من سبعة آلاف وستمائة إنسان وأسر من أولاده سبعة عشر رجلا ومن حلائله وحلائل أولاده ثلاثة وعشرون امرأة من الخواتين وقد كان أصل بابك من جارية زرية الشكل جدا فآل به الحال إلى ما آل به إليه ثم أراح الله المسلمين من شره بعدما افتتن به خلق كثير وجم غفير من العوام الطغام
ولما قتله المعتصم توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر وأطلق له عشرين ألف ألف درهم وكتب له بولاية السند وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه على ما فعل من الخير إلى المسلمين وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها البذ وتركه إياها قيعانا خرابا فقالوا في ذلك فأحسنوا وكان من جملتهم أبو تمام الطائي وقد أورد قصيدته بتماهها ابن جرير وهي قوله
بذ الجلاد البذ فهو دفين * ما إن بها إلا الوحوش قطين
لم يقر هذا السيف هذا الصبر في * هيجاء إلى عز هذا الدين
قد كان عذرة سودد فافتضها * بالسيف فحل المشرق الأفشين
فأعادها تعوي الثعالب وسطها * ولقد ترى بالأمس وهي عرين
هطلت عليها من جماجم أهلها * ديم إمارتها طلى وشؤون
كانت من المهجات قبل مفازة * عشرا فأضحت وهي منه معين
وفي هذة السنة أعنى سنة ثلاث وعشرين ومائتين أوقع ملك الروم توفيل بن ميخائيل بأهل ملطية من المسلمين وما والاها ملحمة عظيمة قبل فيها خلقا كثيرا من المسلمين وأسر مالا يحصون كثرة وكان من جملة من أسر ألف امرأة من المسلمات ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم وأنوفهم وسمل أعينهم قبحه الله وكان سبب ذلك أن بابك لما أحيط به في مدينة البذ استوسقت الجيوش حوله وكتب إلى ملك الروم يقول له إن ملك العرب قد جهز إلى جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعا إلى ما حولك من بلاده فخذها فانك لا تجد أحدا يمانعك عنها فركب توفيل بمائة ألف وانضاف إليه المحمرة الذين كانوا قد خرجوا في الجبال وقاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فلم يقدر عليهم لأنهم تحصنوا بتلك الجبال فلما قدم ملك الروم صاروا معه على المسلمين فوصلوا إلى ملطية فقتلوا من أهلها خلقا كثيرا
وأسروا نساءهم فلم بلغ ذلك المعتصم انزعج لذلك جداوصرخ في قصره بالنفير ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع ثلثه صدقة وثلثه لولده وثلثه لمواليه وخرج من بغداد فعسكر غربي دجلة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادي الأولى ووجه بين يديه عجيفا وطائفة من الأمراء ومعهم خلق من الجيش إعانة لأهل زبطرة فأسرعوا السير فوجدوا ملك الروم قد فعل وانشمر راجعا إلى بلاده وتفارط الحال ولم يمكن الاستدراك فيه فرجعوا إلى الخليفة لاعلامه بما وقع من الأمر فقال للأمراء أى بلاد الروم أمنع قالوا عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الاسلام وهي أشرف عندهم من القسطنطينة