ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين
 
فيها خرج محمد بن البعيث بن حلبس عن الطاعة في بلاد أذربيجان وأظهر أن المتوكل قد مات والتف عليه جماعة من أهل تلك الرساتيق ولجأ إلى مدينة مرند فحصنها وجاءته البعوث من كل جانب وأرسل إليه المتوكل جيوشا يتبع بعضها بعضا فنصبوا على بلده الجانيق من كل جانب وحاصروه محاصرة عظيمة جدا وقاتلهم مقاتلة هائلة وصبر هو وأصحابه صبرا بليغا وقدم بغا الشرابي لمحاصرته فلم يزل به حتى أسره واستباح أمواله وحريمه وقتل خلقا من رؤس أصحابه وأسر سائرهم وانحسمت مادة البعيث وفي جمادي الأولى منها خرج المتوكل إلى المدائن
وفيها حج ايتاخ أحد الأمراء الكبار وهو والي مكة ودعى له على المنابر وقد كان ايتاخ هذا غلاما خزريا طباخا وكان لرجل يقال له سلام الابرش فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة فرفع منزلته وحظي عنده وكذلك الواثق من بعده ضم إليه أعمالا كثيرة وكذلك عامله المتوكل وذلك لفروسيته ورجولته وشهامته ولما كان في هذه السنة شرب ليلة مع المتوكل فعربد عليه المتوكل فهم ايتاخ بقتله فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له أنت أبي وأنت ربيتني ثم دس إليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج فاستأذن له وأمره على كل بلدة يحل بها وخرج القواد في خدمته إلى طريق الحج حين خرج ووكل المتوكل الحجابة لوصيف الخادم عوضا عن ايتاخ وحج بالناس فيها محمد بن داود أمير مكة وهو أمير الحجيج من سنين متقدمة
وفيها توفي أبو خثيمة زهير بن حرب وسليمان بن داود الشاركوني أحد الحفاظ وعبد الله ابن محمد النفيلي وأبو ربيع الزهراني وعلى بن عبد الله بن جعفر المدني شيخ البخاري في صناعة الحديث ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن أبي بكر المقدمي والمعافا الرسيغي ويحيى بن يحي الليثي راوي الموطأ عن مالك