الإمام مسلم رحمه الله تعالى
 
ذكر شيء من ترجمته بالاختصار
هو مسلم أبو الحسين القشيري النيسابوري أحد الأئمة من حفاظ الحديث صاحب الصحيح الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثر العلماء وذهبت المغاربة وأبو علي النيسابوري من المشارقة إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شيء من التعليقات إلا القليل وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري واختياره في الصحيح لها ما أورده في جامعه معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه وفي الجملة فإن مسلما لم يشترط في كتابه الشرط الثاني كما هو مقرر في علوم الحديث وقد بسطت ذلك في أول شرح البخاري والمقصود أن مسلما دخل إلى العراق والحجاز والشام ومصر وسمع من جماعة كثيرين قد ذكرهم شيخنا الحافظ المزي في تهذيبه مرتبين على حروف المعجم وروى عنه جماعة كثيرون منهم الترمذي في جامعه حديثا واحدا وهو حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ص قال احصوا هلال شعبان لرمضان وصالح بن محمد حرره وعبدالرحمن بن أبي حاتم وابن خزيمة وابن صاعد وأبو عوانة الأسفراييني وقال الخطيب أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا أحمد بن نعيم الضبي أخبرنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم سمعت أحمد بن سلمة يقول رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما وأخبرني ابن يعقوب أنا محمد بن نعيم سمعت الحسين بن محمد الماسرخسي يقول سمعت أبي يقول سمعت مسلما بن الحجاج يقول صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة وروى الخطيب قائلا حدثني أبو القاسم عبيدالله بن أحمد بن علي السودرجاني بأصبهان سمعت محمد بن إسحاق بن منده سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول ما تخت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث وقد ذكر مسلم عند إسحاق بن راهويه قال بالعجمية ما معناه أي رجل كان هذا وقال إسحاق بن منصور لمسلم لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين وقد أثنى عليه جماعة من العلماء من أهل الحديث وغيرهم وقال أبو عبدالله محمد بن يعقوب الأخرم قل ما يفوت البخاري ومسلما ما يثبت في الحديث وروى الخطيب عن أبي عمر محمد بن حمدان الحيرى قال سألت أبا العباس أحمد بن سعيد بن عقدة الحافظ
عن البخاري ومسلم أيهما أعلم فقال كان البخاري عالما ومسلما عالما فكررت ذلك عليه مرارا وهو يرد علي هذا الجواب ثم قال با أبا عمرو قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام وذلك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه ويتوهم أنهما اثنان وأما مسلم فقل ما يقع له الغلط لأنه كتب المقاطيع والمراسيل قال الخطيب إنما قفا مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذا حذوه ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه وقد حدثني عيدالله بن أحمد بن عثمان الصيرفي قال سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء قال الخطيب وأخبرني أبو بكر المنكدر ثنا محمد بن عبدالله الحافظ حدثني أبو نصر بن محمد الزراد سمعت أبا حامد أحمد بن حمدان القصار سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله حدثك محمد بن سلام ثنا مخلد بن يزيد الحراني حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي ص في كفارة المجلس فما علته فقال البخاري هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول ثنا به موسى بن إسماعيل ثنا وهيب عن سهيل عن عون بن عبدالله قوله قال البخاري وهذا أولى فإنه لا يعرف لموسى بن عقبة سماع من سهيل قلت وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة وأوردت فيه طرقه وألفاظه ومتنه وعلله قال الخطيب وقد كان مسلم يناضل عن البخاري ثم ذكر ما وقع بين البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن في نيسابور وكيف نودى على البخارى بسبب ذلك بنيسابور وأن الذهلي قال يوما لأهل مجلسه وفيهم مسلم بن الحجاج ألا من كان يقول بقول البخاري في مسألة اللفظ بالقرآن فليعتزل مجلسنا فنهض مسلم من فوره إلى منزله وجمع ما كان سمعه من الذهلي جميعه وأرسله إليه وترك الرواية عن الذهلي بالكلية فلم يرو عنه شيئا لا في صحيحه ولا في غيره واستحكمت الوحشة بينهما هذا ولم يترك البخاري محمد بن يحيى الذهلي بل روى عنه في صحيحه وغيره وعذره رحمه الله وقد ذكر الخطيب سبب موت مسلم رحمه الله أنه عقد له مجلس للمذاكرة فسئل يوما عن حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله فأوقد السراج وقال لأهله لا يدخل أحد الليلة علي وقد أهديت له سلة من تمر فهي عنده يأكل تمرة ويكشف عن حديث ثم يأكل أخرى ويكشف عن آخر فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح وقد أكل تلك السلة وهو لا يشعر فحصل له بسبب ذلك ثقل ومرض من ذلك حتى كانت وفاته عشية يوم الأحد ودفن يوم الإثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي وهي سنة أربع ومائتين فكان عمره سبعا وخمسين سنة رحمه الله تعالى

الموضوع التالي


أبو يزيد البسطامي