ثم دخلت سنة سبعين ومائتين
 
فيها كان مقتل صاحب الزنج قبحه الله وذلك أن الموفق لما فرغ من شأن مدينة صاحب الزنج
وهي المختارة واحتاز ما كان بها من الأموال وقتل من كان بها من الرجال وسبى من وجد فيها من النساء والأطفال وهرب صاحب الزنج عن حومة الحرب والجلاد وسار إلى بعض البلاد طريدا شريدا بشر حال عاد الموفق إلى مدينته الموفقية مؤيدا منصورا وقدم عليه لؤلؤا غلام أحمد بن طولون منابذا لسيده سميعا مطيعا للموفق وكان وروده عليه في ثالث المحرم من هذه السنة فأكرمه وعظمه وأعطاه وخلع عليه وأحسن إليه وبعثه طليعة بين يديه لقتال صاحب الزنج وركب الموفق في الجيوش الكثيفة الهائلة وراءه فقصدوا الخبيث وقد تحصن ببلدة أخرى فلم يزل به محاصرا له حتى أخرجه منها ذليلا واستحوذ على ما كان بها من الأموال والمغانم ثم بعث السرايا والجيوش وراء حاجب الزنج فأسروا عامة من كان معه من خاصته وجماعته منهم سليمان بن جامع فاستبشر الناس بأسره وكبروا الله وحمدوه فرحا بالنصر والفتح وحمل الموفق بمن معه حملة واحدة على أصحاب الخبيث فاستحر فيهم القتل وما انجلت الحرب حتى جاء البشير بقتل صاحب الزنج في المعركة وأتى برأسه مع غلام لؤلؤة الطولوني فلما تحقق الموفق أنه رأسه بعد شهادة الأمراء الذي كانوا معه من أصحابه بذلك خر ساجدا لله ثم أنكفأ راجعا إلى الموفقية ورأس الخبيث يحمل بين يديه وسليمان معه أسير فدخل البلد وهو كذلك وكان يوما مشهودا وفرح المسلمون بذلك في المغارب والمشارق ثم جيء بانكلاني ولد صاحب الزنج وأبان بن علي المهلبي مسعر حريهم مأسورين ومعهما قريب من خمسة آلاف أسير فتم السرور وهرب قرطاس الذي رمى الموفق بصدره بذلك السهم إلى رامهرمز فأخذ وبعث به إلى الموفق فقتله أبو العباس أحمد بن الموفق واستتاب من بقى من أصحاب صاحب الزنج وأمنهم الموفق ونادى في الناس بالأمان وأن يرجع كل من كان أخرج من دياره بسبب الزنج إلى أوطانهم وبلدانهم ثم سار إلى بغداد وقدم ولده أبا العباس بين يديه ومعه رأس الخبيث يحمل ليراه الناس فدخلها لثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة وكان يوما مشهودا وانتهت أيام صاحب الزنج المدعي الكذاب قبحه الله وقد كان ظهوره في يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وكان هلاكه يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين وكانت دولته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام ولله الحمد والمنة وقد قيل في انقضاء دولة الزنج وما كان من النصر عليهم أشعار كثيرة من ذلك قول يحيى بن محمد الأسلمي
أقول وقد جاء البشير بوقعة * أعزت من الإسلام ما كان واهيا
جزى الله خير الناس للناس بعد ما * أبيح حماهم خير ما كان جازيا
تفرد إذ لم ينصر الله ناصر * بتجديد دين كان أصبح باليا
وتشديد ملك قد وهى بعد عزه * وأخذ بثأرات تبير الاعاديا
ورد عمارات ازيلت وأخربت * ليرجع فيء قد تخرم وافيا
وترجع أمصار أبيحت وأحرقت * مرارا وقد أمست قواء عوافيا
ويشفي صدور المسلمين بوقعة * تقر بها منا العيون البواكيا
ويتلى كتاب الله في كل مسجد * ويلفى دعاء الطالبيين خاسيا
فأعرض عن أحبابه ونعيمه * وعن لذة الدنيا وأصبح غازيا
وفي هذه السنة أقبلت الروم في مائة ألف مقاتل فنزلوا قريبا من طرسوس فخرج إليهم المسلمون فبيتوهم فقتلوا منهم في ليلة واحدة حتى الصباح نحوا من سبعين ألفا ولله الحمد وقتل المقدم الذي عليهم وهو بطريق البطارقة وجرح أكثر الباقين وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة من ذلك سبع صلبان من ذهب وفضة وصليبهم الأعظم وهو من ذهب صامت مكلل بالجواهر وأربع كراسي من ذهب ومائتي كرسي من فضة وآنية كثيرة وعشرة آلاف علم من ديباج وغنموا حريرا كثيرا وأموالا جزيلة وخمسة عشر ألف دابة وسروجا وسلاحا وسيوفا محلاة وغير ذلك ولله الحمد وفيها توفي من الأعيان