عريب المأمونية
 
فقد ترجمها ابن عساكر في تاريخه وحكى عن بعضهم أنها ابنة جعفر البرمكي سرقت وهي صغيرة عند ذهاب دولة البرامكة وبيعت فاشتراها المأمون بن الرشيد ثم روى عن حماد بن إسحاق عن أبيه أنه قال ما رأيت قط امرأة أحسن وجها منها ولا أكثر أدبا ولا أحسن غناء وضربا وشعرا ولعبا بالشطرنج والنرد منها وما تشاء أن تجد خصلة ظريفة بارعة في امرأة إلا وجدتها فيها وقد كانت شاعرة مطيقة بليغة فصيحة وكان المأمون يتعشقها ثم أحبها بعده المعتصم وكانت هي تعشق رجلا يقال له محمد بن حماد وربما أدخلته إليها في دار الخلافة قبحها الله على ما ذكره ابن عساكر عنها ثم عشقت صالحا المنذري وتزوجته سرا وكانت تقول فيه الشعر وربما ذكرته في شعرها بين يدي المتوكل وهو لا يشعر فيمن هو فتضحك جواريه من ذلك فيقول يا سحاقات هذا خير من عملكن وقد أورد ابن عساكر شيئا كثيرا من شعرها فمن ذلك قولها لما دخلت على المتوكل تعوده من حمى أصابته فقالت
أتوني فقالوا بالخليفة علة * فقلت ونار الشوق توقد في صدري
ألا ليت بي حمى الخليفة جعفر فكانت بي الحمى وكان له أجري
كفى بي حزن أن قيل حم فلم أمت * من الحزن إني بعد هذا لذو صبرى
جعلت فدا للخليفة جعفر * وذاك قليل للخليفة من شكري
ولما عوفي دخلت عليه فغنته من قيلها :
شكرا لأنعم من عافاك من سقم دمت المعافاة من الآلام والسقم
عادت ببرئك للأيام بهجتها * واهتز نبت رياض الجود والكرم
ما قام للدين بعد اليوم من ملك * أعف منك ولا أرعى إلى الذمم
فعمر الله فينا جعفرا ونفى * بنور وجنته عنا دجى الظلم
ولها في عافيته أيضا * حمدنا الذي عافى الخليفة جعفرا
على رغم أشياخ الضلالة والكفر
وما كان إلا مثل بدر أصابه * كسوف قليل ثم أجلي عن البدر
سلامته للدين عز وقوة * وعلته للدين قاصمة الظهر
مرضت فأمرضت البرية كلها * وأظلمت الأمصار من شدة الذعر
فلما استبان الناس منك إفاقة * أفاقوا وكانوا كالنيان على الجمر
سلامة دنيانا سلامة جعفر * فدام معافا سالما آخر الدهر
إمام أعم الناس بالفضل والندا * قريبا التقوى بعيدا من الوزر
ولها أشعار كثيرة رائعة ومولدها في سنة إحدى وثمانين ومائة وماتت في سنة سبع وسبعين ومائتين بسر من رأى ولها ست وتسعون سنة