ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين
 
قال ابن الجوزي في المحرم منها طلع نجم ذو جمة ثم صارت الجمة ذؤابة قال وفي هذه السنة غار ماء النيل وهذا شيء لم يعهد مثله ولا بلغنا في الأخبار السالفة فغلت الأسعار بسبب ذلك جدا وفيها خلع على عبد الله بن سليمان بالوزارة وفي المحرم منها قدم الموفق من الغزو فتلقاه الناس إلى النهروان فدخل بغداد وهو مريض بالنقرس فاستمر في داره في أوائل صفر ومات بعد أيام قال وفيها تحركت القرامطة وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومردك وكانا يبيحان المحرمات ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل وأكثر ما يفسدون من جهة الرافضة ويدخلون إلى الباطل من جهتهم لأنهم أقل الناس عقولا ويقال لهم الاسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل الأعرج بن جعفر الصادق ويقال لها القرامطة قيل نسبة
إلى قرمط بن الأشعث البقار وقيل إن رئيسهم كان في أول دعوته يأمر من اتبعه بخمسين صلاة في كل يوم وليلة ليشغلهم بذلك عما يريد تدبيره من المكيدة ثم اتخذ نقباء اثنى عشر وأسس لأتباعه دعوة ومسلكا يسلكونه ودعا إلى إمام أهل البيت ويقال لهم الباطنية لأنهم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض والجرمية والبابكية نسبة إلى بابك الجرمي الذي ظهر في أيام المعتصم وقتل كما تقدم ويقال لهم المحمرة نسبة إلى صبغ الحمرة شعارا مضاهاة لبني العباس ومخالفة لهم لأن بني العباس يلبسون السواد ويقال لهم التعليمية نسبة إلى التعلم من الإمام المعصوم وترك الرأي ومقتضى العقل ويقال لهم السبعية نسبة إلى القول بأن الكواكب السبعة المتحيزة السائرة مدبرة لهذا العالم فيما يزعمون لعنهم الله وهي القمر في الأولى وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة قال ابن الجوزي وقد بقي من البابكية جماعة يقال إنهم يجتمعون في كل سنة ليلة هم ونساؤهم ثم يطفئون المصباح وينتهبون النساء فمن وقعت يده في امرأة حلت له ويقولون هذا اصطياد مباح لعنهم الله وقد ذكر ابن الجوزي تفصيل قوهم وبسطه وقد سبقه إلى ذلك أبو بكر الباقلاني المتكلم المشهور في كتابه هتك الأستار وكشف الأسرار في الرد على الباطنية ورد على كتابهم الذي جمعه بعض قضاتهم بديار مصر في أيام الفاطميين الذي سماه البلاغ الأعظم والناموس الأكبر وجعله ست عشرة درجة أول درجة أن يدعو من يجتمع به أولا إن كان من أهل السنة إلى القول بتفضيل على علي عثمان بن عفان ثم ينتقل به إذا وافقه على ذلك إلى تفضيل علي على الشيخين أبي بكر وعمر ثم يترقى به إلى سبهما لأنهما ظلما عليا وأهل البيت ثم يترقى به إلى تجهيل الأمة وتخطئتها في موافقة أكثرهم على ذلك ثم يشرع في القدح في دين الإسلام من حيث هو وقد ذكر لمخاطبته لمن يريد أن يخاطبه بذلك شبها وضلالات لا تروج إلا على كل غبي جاهل شقي كما قال تعالى والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك أي يضل به من هو ضال وقال فأنكم وما نعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم وقال وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن أن الباطل والجهل والضلال والمعاصي لا ينقاد لها إلا شرار الناس كما قال الشعراء
إن هو مستحوذ على أحد * إلا على أضعف المجانين
ثم بعد هذا كله لهم مقامات في الكفر والزندقة والسخافة مما ينبغي لضعيف العقل والدين أن ينزه
نفسه عنه إذا تصوره وهو مما فتحه إبليس عليهم من أنواع الكفر وأنواع الجهالات وربما أفاد إبليس بعضهم أشياء لم يكن يعرفها كما قال بعض الشعراء
وكنت امرأ من جند إبليس برهة * من الدهر حتى صار إبليس من جندي
والمقصود أن هذه الطائفة تحركت في هذه السنة ثم استفحل أمرهم وتفاقم الحال بهم كما سنذكره حتى آل بهم الحال إلى أن دخلوا المسجد الحرام فسفكوا دم الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة وكسروا الحجر الأسود واقتلعوه من موضعه وذهبوا به إلى بلادهم في سنة سبع عشرة وثلاثمائة ثم لم يزل عندهم إلى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فمكث غائبا عن موضعه من البيت ثنتين وعشرين سنة فإنا لله وإنا إليه راجعون وكل ذلك من ضعف الخليفة وتلاعب الترك بمنصب الخلافة واستيلائهم على البلاد وتشتت الأمر وقد اتفق في هذه السنة شيئان أحدهما ظهور هؤلاء والثاني موت حسام الإسلام وناصر دين الله أبو أحمد الموفق رحمه الله لكن الله أبقى للمسلمين بعده ولده أبو العباس أحمد الملقب بالمعتضد وكان شهما شجاعا

الموضوع التالي


ترجمة أبي أحمد الموفق

الموضوع السابق


عريب المأمونية