خلافة المكتفي بالله أبي محمد
 
علي بن المعتضد بالله أمير المؤمنين بويع بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الأول من هذه السنة وليس في الخلفاء من اسمه على سوى هذا وعلي بن أبي طالب وليس فيهم من يكنى بأبي محمد إلا هو والحسن بن علي بن أبي طالب والهادي والمستضيء بالله وحين ولي المكتفي كثرت الفتن وانتشرت في البلاد وفي رجب منها زلزلت الأرض زلزلزة عظيمة جدا وفي رمضان منها تسافط وقت السحر من السماء نجوم كثيرة ولم يزل الأمر كذلك حتى طلعت الشمس ولما أفضت الخلافة إليه كان بالرقة فكتب إليه الوزير وأعيان الأمراء فركب فدخل بغداد في يوم مشهود وذلك يوم
الإثنين لثمان خلون من جمادى منها وفي هذا اليوم أمر بقتل عمرو بن الليث الصفار وكان معتقلا في سجن أبيه وأمر بتخريب المطامير التي كان اتخذها أبوه للمسجونين وأمر ببناء جامع مكانها وخلع في هذا اليوم على الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان ست خلع وقلده سيفا وكان عمره يوم ولي الخلافة خمسا وعشرين سنة وبعض أشهر وفيها انتشرت القرامطة في الآفاق وقطعوا الطريق على الحجيج وتسمى بعضهم بأمير المؤمنين فبعث المكتفي إليهم جيشا كثيرا وأنفق فيهم أموالا جزيلة فأطفأ الله بعض شرهم وفيها خرج محمد بن هارون عن طاعة إسماعيل بن أحمد الساماني وكاتب أهل الرى بعد قتله محمد بن زيد الطالبي فصار إليهم فسلموا البلد إليه فاستحوذ عليها فقصده إسماعيل بن أحمد الساماني بالجيوش فقهره وأخرجه منها مذموما مدحورا قال ابن الجوزي في المنتظم وفي يوم التاسع من ذي الحجة منها صلى الناس العصر في زمن الصيف وعليهم ثياب الصيف فهبت ريح باردة جدا حتى احتاج الناس إلى الاصطلاء بالنار ولبسوا الفرا والمحشوات وجمد الماء كفصل الشتاء قال ابن الأثير ووقع بمدينة حمص مثل ذلك وهب ريح عاصف بالبصرة فاقتلعت شيئا كثيرا من نخيلها وخسف بموضع فيها فمات تحته سبعة آلاف نسمة قال ابن الجوزي وابن الأثير وزلزت بغداد في رجب منها مرات متعددة ثم سكنت وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك وفيها توفي من الأعيان إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أحد الصوفية الكبار قال ابن الأثير وهو من أقران السري السقطي قال لأن ترد إلى الله ذرة من همك خير لك مما طلعت عليه الشمس أحمد بن محمد المعتضد بالله غلب عليه سوء المزاج والجفاف من كثرة الجماع وكان الأطباء يصفون له ما يرطب بدنه له فيستعمل ضد ذلك حتى سقطت قوته