وفاة الخليفة المكتفي بالله أبو محمد ابن المعتضد
 
وهذه ترجمته وذكر وفاته وهو أمير المؤمنين المكتفي بالله بن المعتضد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله وقد ذكرنا أنه ليس من الخلفاء من اسمه على سواه بعد علي بن أبي طالب وليس من الخلفاء من يكنى بأبي محمد سوى الحسن بن علي بن أبي طالب وهو وكان مولده في رجب سنة أربع وستين ومائتين وبويع له بالخلافة بعد أبيه وفي حياته يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وعمره نحوا من خمس وعشرين سنة وكان ربعة من الرجال جميلا رقيق الوجه حسن الشعر وافر اللحية عريضها ولما مات أبوه المعتضد وولي هو الخلافة دخل عليه بعض الشعراء فأنشده
أجل الرزايا أن يموت إمام * وأسنى العطايا أن يقوم إمام
فأسقى الذي مات الغمام وجوده * ودامت تحيات له ولاسلام
وأبقى الذي قام الآله وزاده * مواهب لا يفنى لهن دوام
وتمت له الآمال واتصلت بها * فوائد موصول بهن تمتم
هو المكتفي بالله يكفيه كلما * عناه بركن منه ليس برام
فأمر له بجائزة سنية وقد كان يقول الشعر فمن ذلك قوله من لي بأن أعلم ما ألقى فتعرف مني الصبابة والعشقا
ما زال لي عبدا وحبي له * صيرني عبدا له رقا
العتق من شأني ولكنني * من حبه لا أملك العتقا
وكان نقش خاتمه علي المتوكل على ربه وكان له من الولد محمد وجعفر وعبدالصمد وموسى وعبدالله وهارون والفضل وعيسى والعباس وعبدالملك وفي أيامه فتحت أنطاكية وكان فيها من أسارى المسلمين بشر كثير وجم غفير ولما حضرته الوفاة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد وقد صح عنده أنه بالغ فأحضره في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة منها وأحضر القضاة وأشهدهم على نفسه بأنه قد فوض أمر الخلافة إليه من بعده ولقبه بالمقتدر بالله وتوفي بعد ثلاثة أيام وقيل آخر يوم السبت بعد المغرب وقيل بين الظهر والعصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي القعدة ودفن في دار محمد بن عبدالله بن طاهر عن ثنتين وقيل ثلاث وثلاثين سنة وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما وأوصى بصدقة من خالص ماله ستمائة ألف دينار وكان قد جمعها وهو صغير وكان مرضه بداء الخنازير رحمه الله