ثم دخلت سنة تسع عشرة وثلاثمائة
 
في المحرم منها دخل الحجيج بغداد وقد خرج مؤنس إلى الحج فيها في جديش كثيف خوفا من القرامطة ففرح المسلمون بذلك وزينت بغداد يومئذ وضربت الخيام والقباب لمؤنس الخادم وقد بلغ مؤنسا أثناء الطريق أن القرامطة أمامه فعدل بالناس عن الجادة وأخذ بهم في شعاب وأودية أياما فشاهد الناس في تلك الأماكن عجائب ورأوا غرائب وعظاما في غاية الضخامة وشاهدوا ناسا قد مسخوا حجارة ورأى بعضهم امرأة واقفة على تنور تخبز فيه قد مسخت حجرا والتنور قد صار حجرا وحمل مؤنس من ذلك شيئا كثيرا إلى الخليفة ليصدق ما يخبر به من ذلك ذكر ذلك ابن الجوزي في منتظمه فيقال إنهم من قوم عاد أو من قوم شعيب أو من ثمود فالله أعلم وفيها عزل المقتدر وزيره سليمان بن الحسن بعد سنة وشهرين وتسعة أيام واستوزر مكانه أبا القاسم عبيدالله بن محمد الكلوذاني ثم عزله بعد شهرين وثلاثة أيام واستوزر الحسين بن القاسم ثم عزله أيضا وفيها وقعت وحشة بين الخليفة ومؤنس بسبب أن الخليفة ولي الحسبة لرجل اسمه محمد بن ياقوت وكان أميرا على الشرطة فقال مؤنس إن الحسبة لا يتولاها إلا القضاة والعدول وهذا لا يصلح لها ولم يزل بالخليفة حتى عز محمد بن ياقوت عن الحسبة والشرطة أيضا وانصلح الحال بينهما ثم تجددت الوحشة بينهما في ذي الحجة من هذه السنة وما زالت تتزايد حتى آل الحال إلى قتل المقتدر بالله كما سنذكره وفيها أوقع ثمل متولى طرسوس بالروم وقعة عظيمة قتل منهم خلقا كثيرا وأسر نحوا من ثلاثة آلاف وغنم من الذهب والفضة والديباج شيئا كثيرا جدا ثم أوقع بهم مرة ثانية كذلك وكتب الديراني الأرمني إلى الروم يحثهم على الدخول إلى بلاد
الإسلام ووعدهم النصر منه والإعانة فدخلوا في جحافل عظيمة كثيرة جدا وانضاف إليهم الأرمني فركب إليهم مفلح غلام يوسف بن أبي الساج وهو يومئذ نائب أذربيجان واتبعه خلق كثير من المتطوعة فقصد أولا بلاد ابن اليران فقتل من الأرمن نحوا من مائة ألف وأسر خلقا كثيرا وغنم أموالا جزيلة وتحصن ابن الديراني في قلعة له هناك وكاتب الروم فوصلوا إلى شميشاط فحاصروها فبعث أهلها يستصرخون سعيد بن حمدان نائب الموصل فسار إليهم مسرعا فوجد الروم قد كادوا يفتحونها فلما علموا بقدومه رحلوا عنها واجتازوا بملطية فنهبوها ورجعوا خاسئين إلى بلادهم ومعهم ابن نفيس المتنصر وقد كان من أهل بغداد وركب ابن حمدان في آثار القوم فدخل بلادهم فقتل خلقا كثيرا منهم وأرسر وغنم أشياء كثيرة قال ابن الأثير وفي شوال من هذه السنة جاء سيل عظيم إلى تكريت ارتفع في أسواقها أربعة عشر شبرا وغرق بسببه أربعمائة دار وخلق لا يعلمهم إلا الله حتى كان المسلمون والنصارى يدفنون جميعا لا يعرف هذا من هذا قال وفيها هاجت بالموصل ريح محمرة ثم اسودت حتى كان الإنسان لا يبصر صاحبه نهارا وظن الناس أنها القيامة ثم انجلى ذلك بمطر أرسله الله عليهم وفيها توفي من الأعيان الحسين بن عبدالرحمن أبو عبدالله الأنطاكي قاضي ثغور الشام يعرف بابن الصابوني وكان ثقة نبيلا قدم بغداد وحدث بها