ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثلثمائة
 
في صفر منها أحضر القاهر رجلا كان يقطع الطريق فضرب بين يديه ألف سوط ثم ضربت عنقه وقطع أيدي أصحابه وأرجلهم وفيها أمر القاهر بإبطال الخمر والمغاني والقيان وأمر ببيع الجواري المغنيات بسوق النخس على أنهن سواذج قال ابن الأثير وإنما فعل ذلك لأنه كان محبا للغناء فأراد أن يشتريهن برخص الأثمان نعوذ بالله من هذه الأخلاق وفيها أشاعت العامة بينهم بأن الحاجب علي بن بليق يريد أن يلعن معاوية على المنابر فلما بلغ الحاجب ذلك بعث إلى رئيس الحنابلة البربهاري أبي محمد الواعظ ليقابله على ذلك فهرب واختفى فأمر بجماعة من أصحابه فنفوا إلى البصرة وفيها عظم الخليفة وزيره على بن مقلة وخاطبه بالاحترام والإكرام ثم إن الوزير ومؤنسا الخادم وعلي بن بليق وجماعة من الأمراء اشتوروا فيما بينهم على خلع القاهر وتولية أبي أحمد المكتفي وبايعوه سرا فيما بينهم وضيقوا على القاهر بالله في رزقه وعلى من يجتمع به وأرادوا القبض عليه سريعا فبلغ ذلك القاهر بلغه طريف اليشكري فسعى في القبض عليهم فوقع في مخالبه الأمير المظفر مؤنس الخادم فأمر بحبسه قبل أن يراه والاحتياط على دوره وأملاكه وكانت فيه عجلة وجرأة وطيش وهوج وخرق شديد وجعل في منزلته أمير الأمراء ورياسة الجيش طريفا اليشكري وقد كان أحد الأعداء لمؤنس الخادم قبل ذلك وقبض على بليق واختفى ولده علي بن بليق وهرب الوزير بن مقلة فاستوزر مكانه أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيدالله في مستهل شعبان وخلع عليه وأمر بتحريق دار ابن مقلة ووقع النهب ببغداد وهاجت الفتنة وأمر
القاهر بأن يجعل أبو أحمد المكتفي بين حائطين ويسد عليه بالآجر والكلس وهو حي فمات وأرسل منادي على المختفين إن من أخفاهم قتل وخربت داره فوقع بعلي بن بليق فذبح بين يديه كما تذبح الشاة فأخذ رأسه في طست ودخل به القاهر على أبيه بليق بنفسه فوضع رأس ابنه بين يديه فلما رآه بكى وأخذ يقبله ويترشفه فأمر بذبحه أيضا فذبح ثم أخذ الرأسين في طستين فدخل بهما على مؤنس الخادم فلما رآهما تشهد ولعن قاتلهما فقال القاهر جروا برجل الكلب فأخذ فذبح أيضا وأخذ رأسه فوضع في طست وطيف بالرؤس في بغداد ونودي عليهم هذا جزاء من يخون الإمام ويسعى في الدولة فسادا ثم أعيدت الرؤس إلى خزائن السلاح وفي ذي القعدة منها قبض القاهر على الوزير أبي جعفر محمد بن القاسم وسجنه وكان مريضا بالقولنج فبقي ثمانية عشر يوما ومات وكانت وزارته ثلاثة أشهر واثنى عشر يوما واستوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبدالله بن سليمان الخصيبي ثم قبض على طريف اليشكري الذي تعاون على مؤنس وابن بليق وسجنه ولهذا قيل من أعان ظالما سلطه الله عليه فلم يزل اليشكري في الحبس حتى خلع القاهر وفيها جاء الخبر بموت العامل بديار مصر وأن ابنه محمدا قد قام مقامه فيها وسارت الخلع إليه من القاهر بتنفيذ الولاية واستقراره