ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلثمائة
 
في المنتصف من ربيع الأول كانت وفاة الخليفة الراضي بالله أمير المؤمنين أبي العباس أحمد بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد العباسي استخلف بعد عمه القاهر لست خلون من جمادي الأولى سنة ثنتين وعشرين وثلثمائة وأمه أم ولد رومية تسمى ظلوم كان مولده في رجب سنة سبع وتسعين ومائتين وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعمره يوم مات إحدى وثلاثين سنة وعشرة أشهر وكان أسمر رقيق السمرة ذرى اللون أسود الشعر سبطه قصير القامة نحيف الجسم في وجهه طول وفي مقدم لحيته تمام وفي شعرها رقة هكذا وصفه من شاهده قال الخطيب البغدادي كان للراضي فضائل كثيرة وختم الخلفاء في أمور عدة منها أنه كان آخر خليفة له شعر وآخرهم انفرد بتدبير الجيوش والأموال وآخر خليفة خطب على المنبر يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وأصحابه وأموره كلها تجري على ترتيب المتقدمين من الخلفاء وقال غيره كان فصيحا بليغا كريما جوادا ممدحا ومن جيد كلامه الذي سمعه منه محمد بن يحيى الصولي لله أقوام هم مفاتيح الخير وأقوام هم مفاتيح الشر فمن أراد الله به خيرا قصده أهل الخير وجعله الوسيلة إلينا فنقضي حاجته وهو الشريك في الثواب والأجر والشكر ومن أراد الله به شرا عدل به إلى غيرنا وهو الشريك في الوزر والإثم والله المستعان على كل حال ومن ألطف الإعتذارات ما كتب به الراضي إلى أخيه المتقي وهما في المكتب وكان المتقي قد اعتدى على الراضي والراضي هو الكبير منهما فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أنا معترف لك بالعبودية فرضا وأنت معترف لي بالأخوة فضلا والعبد يذنب والمولى يعفو وقد قال الشاعر
يا ذا الذي يغضب من غير شي * اعتب فعتباك حبيب إلي
أنت على أنك لي ظالم * أعز خلق الله طرا علي
قال فجاء إليه أخوه المتقي فأكب عليه يقبل يديه وتعانقا واصطلحا ومن لطيف شعره قوله فيما ذكره ابن الأثير في كامله
يصفر وجهي إذا تأمله * طرفي ويحمر وجهه خجلا
حتى كأن الذي بوجنته * من دم جسمي إليه قد نقلا
قال ومما رثا به أباه المقتدر * ولو أن حيا كان قبرا لميت
لصيرت أحشائي لأعظمه قبرا
ولو أن عمري كان طوع مشيئتي * وساعدني المقدور قاسمته العمرا
بنفسي ثرى ضاجعت في تربة البلى * لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا
ومما أنشده له ابن الجوزي في منتظمه * لا تكثرن لومي على الإسراف
ربح المحامد متجر الأشراف
أحوي لما يأتي المكارم سابقا * وأشيد ما قد أسست أسلافي
إني من القوم الذين أكفهم * معتادة الإملاق والإتلاف
ومن شعره الذي رواه الخطيب عنه من طريق أبي بكر محمد بن يحيى الصولي النديم قوله
كل صفو إلى كدر * كل أمن إلى حذر
ومصير الشباب للمو * ت فيه أو الكبر
در در المشيب من * واعظ ينذر البشر
أيها الآمل الذي * تاه في لجة الغرر
أين من كان قبلنا * درس العين والأثر
سير المعاد من * عمره كله خطر
رب إني ادخرت عن * دك أرجوك مدخر
رب إني مؤمن بما * بين الوحي في السور
واعترافي بترك نف * عى وإيثاري لضرر
رب فاغفر لي الخطي * ئة ياخير من غفر
وقد كانت وفاته بعلة الاستسقاء في ليلة السادس عشر من ربيع الأول منها وكان قد أرسل إلى بجكم وهو بواسط أن يعهد إلى ولده الأصغر أبي الفضل فلم يتفق له ذلك وبايع الناس أخاه المتقي لله إبراهيم بن المقتدر وكان أمر الله قدرا مقدورا .