ثم دخلت سنة ثلاثين وثلثمائة
 
قال ابن الجوزي في المحرم منها ظهر كوكب بذنب رأسه إلي المغرب وذنبه إلى المشرق وكان عظيما جدا وذنبه منتشر وبقي ثلاثة عشر يوما إلى أن اضمحل قال وفي نصف ربيع الأول بلغ الكر من الحنظة مائتي دينار وأكل الضعفاء الميتة ودام الغلاء وكثر الموت وتقطعت السبل وشغل الناس بالمرض والفقر وتركوا دفن الموتى وشغلوا عن الملاهي واللعب قال ثم جاء مطر كأفواه القرب وبلغت زيادة دجلة عشرين ذراعا وثلثا وذكر ابن الأثير في الكامل أن محمد بن رائق وقع بينه وبين البريدي وحشة لأجل أن البريدي منع خراج واسط فركب إليه ابن رائق ليتسلم ما عنده من المال فوقعت مصالحة ورجع ابن رائق إلى بغداد فطالبه الجند بأرزاقهم وضاق عليه حاله وتحيز جماعة من الأتراك عنه إلى البريدي فضعف جانب ابن رائق وكاتب البريدي بالوزارة ببغداد ثم قطع اسم الوزارة عنه فاشتد حنق البريدي عليه وعزم على أخذ بغداد فبعث أخاه أبا الحسين في جيش إلى بغداد فتحصن ابن رائق مع الخليفة بدار الخلافة ونصبت فيها المجانيق والعرادات العرادة شيء أصغر من المنجنيق على دجلة أيضا فاضطربت أهل بغداد ونهب الناس بعضهم بعضا ليلا ونهارا وجاء أبو الحسين أخو أبي عبدالله البريدي بمن معه فقاتلهم الناس في البر وفي دجلة وتفاقم الحال جدا مع ما الناس فيه من الغلاء والوباء والفناء فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم إن الخليفة وابن رائق انهزما في جمادى الآخرة ومع الخليفة ابنه منصور في عشرين فارسا فقصدوا نحو الموصل واستحوذ أبو الحسين على دار الخلافة وقتل من وجد فيها من الحاشية ونهبوها حتى وصل النهب إلى الحريم ولم يتعرضوا للقاهر وهو إذ ذاك أعمى مكفوفا وأخرجوا كورتكين من الحبس فبعثه أبو الحسين إلى البريدي فكان آخر العهد به ونهبوا بغداد جهارا علانية ونزل أبو الحسين بدار مؤنس الخادم التي كان يسكنها ابن رائق وكانوا يكبسون الدور ويأخذون ما فيها من الأموال فكثر الجور وغلت الأسعار جدا وضرب أبو الحسين المكس على الحنطة والشعير وذاق أهل بغداد لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وكان معه طائفة كبيرة من القرامطة فأفسدوا في البلد فسادا عظيما ووقع بينهم وبين الأتراك حروب طويلة شديدة
فغلبهم الترك وأخرجوهم من بغداد فوقعت الحرب بين العامة والديلم جند أبي الحسين وفي شعبان منها اشتد الحال أيضا ونهبت المساكن وكبس أهلها ليلا ونهارا وخرج جند البريدي فنهبوا الغلات من القرى والحيوانات وجرى ظلم لم يسمع بمثله قال ابن الأثير وإنما ذكرنا هذا ليعلم الظلمة أن أخبارهم الشنيعة تنقل وتبقى بعدهم على وجه الأرض وفي الكتب ليذكروا بها ويذموا ويعابوا ذلك لهم خزي في الدنيا وأمرهم إلى الله لعلهم أن يتركوا الظلم لهذا إن لم يتركوه لله وقد كان الخليفة أرسل وهو ببغداد إلى ناصر الدولة بن حمدان نائب الموصل يستمده ويستحثه على البريدي فأسل ناصر الدولة أخاه سيف الدولة عليا في جيش كثيف فلما كان بتكريت إذا الخليفة وابن رائق قد هربا فرجع معهما سيف الدولة إلى أخيه وخدم سيف الدولة الخليفة خدمة كثيرة ولما وصلوا إلى الموصل خرج عنها ناصر الدولة فنزل شرقها وأرسل التحف والضيافات ولم يجئ إلى الخليفة خوفا من الغائلة من جهة ابن رائق فأرسل الخليفة ولده أبا منصور ومعه ابن رائق للسلام على ناصر الدولة فصارا إليه فأمر ناصر الدولة أن ينثر الذهب والفضة على رأس ولد الخليفة وجلسا عنده ساعة ثم قاما ورجعا فركب ابن الخليفة وأراد ابن رائق أن يركب معه فقال له ناصر الدولة اجلس اليوم عندي حتى نفكر فيما نصنع في أمرنا هذا فاعتذر إليه بابن الخليفة واستراب بالأمر وخشي فقبض ابن حمدان بكمه فجبذه ابن رائق منه فانقطع كمه وركب سريعا فسقط عن فرسه فأمر ناصر الدولة بقتله فقتل وذلك يوم الإثنين لسبع بقين من رجب منها فأرسل الخليفة إلى ابن حمدان فاستحضره وخلع عليه ولقبه ناصر الدولة يومئذ وجعله أمير الأمراء وخلع على أخيه أبي الحسن ولقبه سيف الدولة يومئذ ولما قتل ابن رائق وبلغ خبر مقتله إلى صاحب مصر الأخشيد محمد بن طغج ركب إلى دمشق فتسلمها من محمد بن يزداد نائب ابن رائق لم ينتطح فيها عنزان ولما بلغ خبر مقتله إلى بغداد فارق أكثر الأتراك أبا الحسين البريدي لسوء سيرته وقبح سريرته قبحه الله وقصدوا الخليفة وابن حمدان فتقوى بهم وركب هو والخليفة إلى بغداد فلما اقتربوا منها هرب عنها أبو الحسين أخو البريدي فدخلها المتقي ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة وذلك في شوال منها ففرح المسلمون فرحا شديدا وبعث الخليفة إلى أهله وقد كان أخرجهم إلى سامرا فردهم وتراجع أعيان الناس إلى بغداد بعد ما كانوا قد ترحلوا عنها ورد الخليفة أبا إسحاق الفزاري إلى الوزارة وولى توزون شرطة جانبي بغداد وبعث ناصر الدولة أخاه سيف الدولة في جيش وراء أبي الحسين أخي البريدي فلحقه عند المدائن فاقتتلوا قتالا شديدا في أيام نحسات ثم كان آخر الأمر أن انهزم أبو الحسين إلى أخيه البريدي بواسط وقد ركب ناصر الدولة بنفسه فنزل المدائن قوة لأخيه وقد انهزم سيف الدولة مرة من أخي البريدي فرده أخوه وزاده جيشا حتى كسر البريدي وأسر جماعة من أعيان أصحابه وقتل منهم خلقا كثيرا ثم أرسل أخاه سيف الدولة إلى واسط لقتال أبي عبدالله البريدي فانهزم منه البريدي وأخوه إلى البصرة وتسلم سيف الدولة واسطا وسيأتي ما كان من خبره في السنة الآتية مع البريدي وأما ناصر الدولة فإنه عاد إلى بغداد فدخلها في ثالث عشر ذي الحجة وبين يديه الأسارى على ما الجمال ففرح المسلمون واطمأنوا ونظر في المصالح العامة وأصلح معيار الدنيار وذلك أنه وجده قد غير عما كان عليه فضرب دنانير سماها الإبريزيه فكانت تباع كل دينار بثلاثة عشر درهما وإنما كان يباع ما قبلها بعشرة وعزل الخليفة بدرا الخرشني عن الحجابة وولاها سلامة الطولوني وجعل بدرا على طريق الفرات فسار إلى الأخشيد فأكرمه واستنابه على دمشق فمات بها وفيها وصلت الروم إلى قريب حلب فقتلوا خلقا وأسروا نحوا من خمسة عشر ألفا فإنا لله وإنا إليه راجعون وفيها دخل نائب طرسوس إلى بلاد الروم فقتل وسبى وغنم وسلم وأسر من بطارقتهم المشهورين منهم وغيرهم خلقا كثيرا ولله الحمد وفيها توفي من الأعيان