ثم دخلت سنة أربع وخمسين وثلثمائة
 
في عاشر المحرم منها عملت الشيعة مآتمهم وبدعتهم على ما تقدم قبل وغلقت الأوسواق وعلقت المسوح وخرجت النساء سافرات ناشرات شعورهن ينحن ويلطمن وجوههن في الأسواق والأزقة على الحسين وهذا تكلف لا حاجة إليه في الإسلام ولو كان هذا أمرا محمودا لفعله خير القرون وصدر هذه الأمة وخيرتها وهم أولى به
لو كانوا خيرا ما سبقونا اليه
وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون ثم تسلطت أهل السنة على الروافض فكسبوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عش الروافض وقتلوا بعض من كان فيه من القومة وفيها في رجب منها جاء ملك الروم بجيش كثيف إلى المصيصة فأخذها قسرا وقتل من أهلها خلقا واستاق بقيتهم معه أسارى وكانوا قريبا من مائتي ألف إنسان فإنا لله وإنا إليه راجعون ثم جاء إلى طرسوس فسأل أهلها منه الأمان فأمنهم وأمرهم بالجلاء عنها والانتقال منها واتخذ مسجدها الأعظم اسطبلا لخيوله وحرق المنبر ونقل قناديله إلى كنائس بلده وتنصر بعض أهلها معه لعنه الله وكان أهل طرسوس والمصيصة قد أصابهم قبل ذلك بلاء وغلاء عظيم ووباء شديد بحيث كان يموت منهم في اليوم الواحد ثمانمائة نفر ثم دهمهم هذا الأمر الشديد فانتقلوا من شهادة إلى شهاد أعظم منها وعزم ملك الروم على المقام بطرسوس ليكون أقرب إلى بلاد المسلمين ثم عن له فسار إلى القسطنطينية وفي خدمته الدمستق ملك الأرمن لعنه الله وفيها جدل أمر تسفير الحجيج إلى نقيب الطالبين وهو أبو أحمد الحسن بن موسى الموسوي وهو والد الرضى والمرتضى وكتب له منشور بالنقابة والحجيج وفيها توفيت أخت معز الدولة فركب الخليفة في طيارة وجاء لعزائه فقبل معز الدولة الأرض بين يديه وشكر سعيه إليه وصدقاته عليه وفي ثاني عشر ذي الحجة منها عملت الروافض عيد غدير خم على العادة الجارية كما تقدم وفيها تغلب على إنطاكية رجل يقال له رشيق النسيمي بمساعدة رجل يقال له ابن الأهوازي وكان يضمن الطواحين فأعطاه أموالا عظيمة وأطمعه في أخذ أنطاكية وأخبره أن سيف الدولة قد اشتغل عنه بميا فارقين وعجز عن الرجوع إلى حلب ثم تم لهما ماراماه من أخذ أنطاكية ثم ركبا منها في جيوش إلى حلب فجرت بينهما وبين نائب سيف الدولة حروب عظيمة ثم أخذ البلد وتحصن النائب بالقلعة وجاءته نجدة من سيف الدولة مع غلام له اسمه بشارة فانهزم رشيق فسقط عن فرسه فابتدره بعض الأعراب فقتله وأخذ رأسه وجاء به إلى حلب واستقل ابن الأهوازي سائرا إلى إنطاكية فأقام رجلا من الروم اسمه دزبر فسماه الأمير وأقام آخر من العلويين ليجعله خليفة وسماه الاستاذ فقصده نائب حلب وهو قرعويه فاقتتلا قتالا شديدا فهزمه ابن الأهوازي واستقر بأنطاكية فلما عاد سيف الدولة إلى حلب لم يبت بها إلا ليلة واحدة حتى سار إلى أنطاكية فالتقاه ابن الأهوازي فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزم دزبز وابن الأهوازي وأسرا فقتلهما سيف الدولة وفيها ثار رجل من القرامطة اسمه مروان كان يحفظ الطرقات لسيف الدولة صار بحمص فملكها وما حولها فقصده جيش من حلب مع الأمير بدر فاقتتلوا معه فرماه بدر بسهم مسموم فأصابه واتفق أن أسر أصحاب مروان بدرا فقتله مروان بين يديه صبرا ومات مروان بعد أيام وتفرق عنه أصحابه وفيها عصى أهل سجستان أميرهم خلف بن أحمد وذلك أنه حج في سنة ثلاث وخمسين واستخلف عليهم طاهر بن الحسين فطمع في الملك بعده واستمال أهل البلد فلما رجع من الحج لم يسلمه البلد وعصى عليه فذهب إلى بخارا إلى الأمير منصور بن نوح الساماني فاستنجده فبعث معه جيشا فاستنقذ البلد من طاهر وسلمها إلى الأمير خلف بن أحمد وقد كان خلف عالما محبا للعلماء فذهب طاهر فجمع جموعا ثم جاء فحاصر خلفا وأخذ منه البلد فرجع خلف إلى الأمير منصور الساماني فبعث معه من استرجع له البلد ثانية وسلمها إليه فلما استقر خلف بها وتمكن منها منع ما كان يحمله من الهدايا والتحف والخلع إلى الأمير منصور الساماني ببخارا فبعث إليه جيشا فتحصن خلف في حصن يقال له حصن إراك فنازله الجيش فيه تسع سنين لم يقدروا عليه وذلك لمناعة هذا الحصن وصعوبته وعمق خندقه وارتفاعه وسيأتي ما آل إليه أمر خلف بعد ذلك وفيها قصدت طائفة من الترك بلاد الخزر فاستنجد أهل الخزر بأهل خوارزم فقالوا لهم لو أسلمتم لنصرناكم فأسلموا إلا ملكهم فقاتلوا معهم الترك فأجلوهم عنها ثم أسلم الملك بعد ذلك ولله الحمد والمنة
وممن توفي فيها من الأعيان:

الموضوع السابق


أبو إسحاق الجهمي