ثم دخلت سنة سبع وستين وثلثمائة
 
فيها دخل عضدالدولة إلى بغداد وخرج منها عزالدولة بختيار واتبعه عضدالدولة وأخذ معه الخليفة فاستعفاه فأعفاه وسار عضدالدولة وراءه فأخذه أسيرا ثم قتل سريعا وتصرمت دولته واستقر أمر عضد الدولة ببغداد وخلع عليه الخليفة الخلع السنية والأسورة والطوق وأعطاه لواءين أحدهما ذهب والآخر فضة ولم يكن هذا لغيره إلا لأولياء العهد وأرسل إليه خليفة بتحف سنية وبعث عضدالدولة إلى الخليفة أموالا جزيلة من الذهب والفضة واستقرت يده على بغداد وما والاها من البلاد وزلزلت بغداد مرارا في هذه السنة وزادت دجلة زيادة كثيرة غرق بسببها خلق كثير وقيل لعضد الدولة إن أهل بغداد قد قلوا كثيرا بسبب الطاعون وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنة وأصابهم حريق وغرق فقال إنما يهيج الشر بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ ثم رسم أن أحدا لا يقص ولا يعظ في سائر بغداد ولا يسأل سائل باسم أحد من الصحابة وإنما يقرأ القرآن فيمن أعطاه أخذ فمن فعمل بذلك في البلد ثم بلغه أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ وكان من الصالحين لم يترك الوعظ بل استمر على عادته فأرسل إليه من جاء به
وتحول عضد الدولة من مجلسه وجلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون إليه بين الدولة كلام يكرهه وقيل لابن سمعون إذا دخلت على الملك فتواضع في الخطاب وقبل التراب فلما دخل دار الملك وجده قد جلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون في حقه كلام بحضرة الناس يؤثر عنه ودخل الحاجب بين يديه يستأذن له عليه ودخل ابن سمعون ورءاه ثم استفتح القراءة بقوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة الآية ثم إلتفت بوجهه نحو دار عزالدولة ثم قرأ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظرهم كيف تعملون ثم أخذ في مخاطبة الملك ووعظه فبكى عضد الدولة بكاء كثيرا وجزاه خيرا فلما خرج من عنده قال للحاجب اذهب فخذ ثلاثة آلاف درهم وعشرة أثواب وادفعها له فإن قبلها جئني برأسه قال الحاجب فجئته فقلت هذا أرسل به الملك إليك فقال لا حاجة لي به هذه ثيابي من عهد أبي منذ أربعين سنة كلما خرجت إلى الناس لبستها فإذا رجعت طويتها ولي دار آكل من أجرتها تركها لي أبي فأنا في غنية عما أرسل به الملك فقلت فرقها في فقراء أهلك فقال فقراء أهله أحق بها من فقراء أهلي وأفقر إليها منهم فرجعت إلى الملك لأشاوره وأخبره بما قال فسكت ساعة ثم قال الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه ثم إن عضد الدولة أخذ ابن بقية الوزير لعزالدولة فأمر به فوضع بين قوائم الفيلة فتخبطته بأرجلها حتى هلك ثم صلب على رأس الجسر في شوال منها فرثاه أبو الحسين بن الأنباري بأبيات يقول فيها
علو في الحياة وفي الممات * بحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا * وفود نداك أيام الصلات
كأنك واقف فيهم خطيبا * وكلهم وقوف للصلاة
مددت يديك نحو احتفاء * كمدهما إليهم بالهبات
وهي قصيدة طويلة أورد كثيرا منها ابن الأثير في كامله

الموضوع التالي


مقتل عزالدين بختيار

الموضوع السابق


أبو الحسن علي بن أحمد