ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلثمائة
 
وفيها ولي بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن أحمد بن موسى الموسوي قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيبن ولقب بالطاهر الأوحد ذوي المناقب وكان التقليد له بسيراج فلما وصل الكتاب إلى بغداد لم يأذن له الخليفة القادر في قضاء القضاة فتوقف حاله بسبب ذلك وفيها ملك أبو العباس بن واصل بلاد البطيحة وأخرج منها مهذب الدولة فقصده زعيم الجيوش ليأخذها منه فهزمه ابن واصل ونهب أمواله وحواصله وكان في جملة ما أصاب في خيمة الخزانة ثلاثون ألف دينار وخمسون ألف درهم وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل عظيم كبير وتحمل كثير فاعترضهم الأصيفر أمير الأعراب فبعثوا إليه بشابين قارئين مجيدين كانا معهم يقال لهما أبو الحسن الرفا وأبو عبدالله بن الزجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة ليكلماه في شيء يأخذه من الحجيج ويطلق سراحهم ليدركوا الحج فلما جلسا بين يديه قرآ جميعا عشرا بأصوات هائلة مطربة مطبوعة فأدهشه ذلك وأعجبه جدا وقال لهما كيف عيشكما ببغداد فقالا بخير لا يزال الناس يكرموننا ويبعثون إلينا بالذهب والفضة والتحف فقال لهما هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد فقالا لا ولا ألف درهم في يوم واحد قال فإني أطلق لكما ألف ألف دينار في هذه اللحظة أطلق لكما الحجيج كله ولولا كما لما قنعت منهم بالف ألف دينار فأطلق الحجيج كله بسببهما فلم يتعرض أحد من الأعراب لهم وذهب الناس إلى الحج سالمون شاكرون لذينك الرجلين المقرئين ولما وقف الناس بعرفات قرأ هذان الرجلان قراءة عظيمة على جبل الرحمة فضج الناس بالبكاء من سائر الركوب لقراءتهما وقالوا لأهل العراق ما كان ينبغي لكم أن تخرجوا معكم بهذين الرجلين في سفرة واحدة لاحتمال أن يصابا جميعا بل كان ينبغي أن تخرجوا بأحدهما وتدعوا الآخر فإذا أصيب سلم الآخر وكانت الحجة والخطبة للمصرييين كما هي لهم من سنين متقدمة وقد كان أمير العراق عزم على العود سريعا إلى بغداد على طريقهم التي جاؤا منها وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية خوفا من الأعراب وكثرة الخفارات فشق ذلك على الناس فوقف هذان الرجلان يقرآن على جادة الطريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية وقرآ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه الآيات فضج الناس بالبكاء وأمالت النوق أعناقها نحوهما فمال الناس بأجمعهم والامير إلى المدينة النبوية فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم ولله الحمد والمنة ولما رجع هذان القارئان رتبهما ولي الأمر مع أبي بكر بن البهلول وكان مقرئا مجيدا أيضا ليصلوا بالناس صلاة التراويح في رمضان فكثر الجمع وراءهم لحسن تلاوتهم وكانوا يطيلون الصلاة جدا ويتناوبون في الإمامة يقرؤون في كل ركعة بقدر ثلاثين آية والناس لا يصرفون من التراويح إلا في الثلث الأول من الليل أو قريب النصف منه وقد قرأ ابن البهلول يوما في جامع المنصور قوله تعالى ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فنهض إليه رجل صوفي وهو يتمايل فقال كيف قلت فأعاد الآية فقال الصوفي بلى والله وسقط ميتا رحمه الله قال ابن الجوزي وكذلك وقع لأبي الحسن بن الخشاب شيخ ابن الرفا وكان تلميذا لأبي بكر بن الأدمي المتقدم ذكره وكان جيد القراءة حسن الصوت أيضا قرأ ابن الخشاب هذا في جامع الرصافة في الأحياء هذه الآية ألم يأن للذين آمنوا فتواجد رجل صوفي وقال بلى والله قد آن وجلس وبكى بكاء طويلا ثم سكت سكتة فإذا هو ميت رحمه الله وممن توفي فيها من الأعيان

الموضوع التالي


أبو علي الاسكافي

الموضوع السابق


ميمونة