ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
 
فيها توفي الملك الكبير المجاهد المغازي فاتح بلاد الهند محمود بن سبكتكين رحمه الله لما كان في ربيع الأول من هذه السنة توفي الملك العادل الكبير الثاغر المرابط المؤيد المنصور يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين صاحب بلاد غزنة ومالك تلك الممالك الكبار وفاتح أكثر بلاد الهند قهرا وكاسر أصنامهم وندودهم وأوثانهم وهنودهم وسلطانهم الأعظم قهرا وقد مرض رحمه الله نحوا من سنتين لم يضطجع فيهما على فراش ولا توسد وسادا بل كان يتكئ جالسا حتى مات وهو كذلك وذلك لشهامته وصرامته وقوة عزمه وله من العمر ستون سنة رحمه الله وقد عهد بالأمر من بعده لولده محمد فلم يتم أمره حتى عاصفه أخوه مسعود بن محمود المذكور فاستحوذ على ممالك أبيه مع ما كان يليه مما فتحه هو بنفسه من بلاد الكفار ومن الرساتيق الكبار والصغار فاستقرت له الممالك شرقا وغربا في تلك النواحي في أواخر هذا العام وجاءته الرسل بالسلام من كل ناحية ومن كل ملك همام وبالتحية والإكرام وبالخضوع التام وسيأتي ذكر أبيه في الوفيات وفيها استحوذت السرية التي كان بعثها الملك المذكور محمود إلى بلاد الهند على أكثر مدائن الهنود وأكبرها ميدينة وهي المدينة المسماة نرسي دخلوها في نحو من مائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل فنهبوا سوق العطر والجواهر بها نهارا كاملا ولم يستطيعوا أن يحولوا ما فيه من أنواع الطيب والمسك والجواهر واللآلئ واليواقيت ومع هذا لم يدر أكثر أهل البلد بشيء من ذلك لاتساعها وذلك أنها كانت في غاية الكبر طولها مسيرة منزلة من منازل الهند وعرضها كذلك وأحذوا منها من الأموال والتحف والأثاث ما لا يحد ولا يوصف حتى قيل إنهم اقتسموا الذهب والفضة بالكيل ولم يصل جيش من جيوش المسلمين إلى هذه المدينة قط لا قبل هذه السنة ولا بعدها وهذه المدينة من أكثر بلاد الهند خيرا ومالا بل قيل إنه لا يوجد مدينة أكثر منها مالا ورزقا مع كفر أهلها وعبادتهم الأصنام فليسلم المؤمن على الدنيا سلام وقد كانت محل الملك وأخذوا منها من الرقيق من الصبيان والبنات ما لا يحصى كثرة وفيها عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء وحادثتهم الصلعاء في يوم عاشوراء من تعليق المسوح وتغليق الأسواق والنوح والبكاء في الأزقة فأقبل أهل السنة إليهم في الحديد فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل من الفريقين طوائف كثيرة وجرت بينهم فتن وشرور مستطيرة وفيها مرض أمير المؤمنين القادر بالله وعهد بولاية العهد من بعده إلى ولده أبي جعفر القائم بأمر الله بمحضر من القضاة والوزراء والأمراء وخطب له بذلك وضرب اسمه على السكة المتعامل بها وفيها أقبل ملك الروم من قسطنطينية في مائة ألف مقاتل فسار حتى بلغ بلاد حلب وعليها شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس فنزلوا على مسيرة يوم منها ومن عزم ملك الروم أن يستحوذ على بلاد الشام كلها وأن يستردها إلى دين النصرانية وقد قال رسول الله ص إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وقيصر هو من ملك الشام من الروم مع بلاد الروم فلا سبيل لملك الروم إلى هذا فلما نزل من حلب كما ذكرنا أرسل الله عليهم عطشا شديدا وخالف بين كلمتهم وذلك أنه كان معه الدمستق فعامل طائفة من الجيش على قتله ليستقل هو بالأمر من بعده ففهم الملك ذلك فكر من فوره راجعا فاتبعهم الأعراب ينهبونهم ليلا ونهارا وكان من جملة ما أخذوا منهم أربعمائة فحل محجل محملة أموالا وثيابا للملك وهلك أكثرهم جوعا وعطشا ونهبوا من كل جانب ولله الحمد والمنة وفيها ملك جلال الدولة واسطا واستناب عليها ولده وبعث وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطائح ففتحها وسار في الماء إلى البصرة وعليها نائب لأبي كاليجار فهزمهم البصريون فسار إليهم جلال الدولة بنفسه فدخلها في شعبان منها وفيها جاء سيل عظيم بغزنة فأهلك شيئا كثيرا من الزورع والأشجار وفي رمضان منها تصدق مسعود بن محمود بن سبكتكين بألف ألف درهم وأدر أرزاقا كثيرة للفقهاء والعلماء بلاد ببلاده على عادة أبيه من قبله وفتح بلادا كثيرة واتسعت ممالكه جدا وعظم شأنه وقويت أركانه وكثرت جنوده وأعوانه وفيها دخل خلق كثير من الأكراد إلى بغداد يسرقون خيل الأتراك ليلا فتحصن الناس منهم فأخذوا الخيول كلها حتى خيل السلطان وفيها سقط جسر بغداد على نهر عيسى وفيها وقعت فتنة بين الأتراك النازلين بباب البصرة وبين الهاشميين فرفعوا المصاحف ورمتهم الأتراك بالنشاب وجرت خطبة عظيمة ثم أصلح بين الفريقين وفيها كثرت العملات وأخذت الدور جهرة وكثر العيارون ولصوص
الأكراد وفيها تعطل الحج أيضا سوى شرذمة من أهل العراق ركبوا من جمال البادية مع الأعراب ففازوا بالحج ذكر من توفي فيها من الأعيان

الموضوع السابق


أسد الدولة