ثم دخلت سنة تسع وستين وأربعمائة
 
فيها كان ابتداء عمارة قلعة دمشق وذلك أن الملك المعظم أتسز بن أوف الخوارزمي لما انتزع دمشق من أيدي العبيديين في السنة الماضية شرع في بناء هذا الحصن المنيع بدمشق في هذه السنة وكان في مكان القلعة اليوم أحد أبواب البلد باب يعرف بباب الحديد وهو الباب المقابل لدار رضوان منها اليوم داخل البركة البرانية منها وقد ارتفع بعض أبرجتها فلم يتكامل حتى انتزع ملك البلد منه الملك المظفر تاج الملوك تنش بن ألب أرسلان السلجوقي فأكملها وأحسن عمارتها وابتنى بها دار رضوان للملك واستمرت على ذلك البناء في أيام نور الدين محمود بن زنكي فلما كان الملك صلاح الدين بن يوسف بن أيوب جدد فيها شيئا وابتنى له نائبه ابن مقدم فيها دارا هائلة للمملكة ثم إن الملك العادل أخا صلاح الدين اقتسم هو وأولاده أبرجتها فبنى كل ملك منهم برجا منها جدده وعلاه وأطده وأكده ثم جدد الملك الظاهر بيبرس منها البرج الغربي القبلى ثم ابتنى بعده في دولة الملك الأشرف خليل بن المنصور نائبه الشجاعي الطارمة الشمالية والقبة الزرقاء وما حولها وفي المحرم منها مرض الخليفة مرضا شديدا فأرجف الناس به فركب حتى رآه الناس جهرة فسكنوا وفي جمادى الآخرة منها زادت دجلة زيادة كثيرة إحدى عشرين ذراعا ونصفا فنقل الناس أموالهم وخيف على دار الخلافة فنقل تابوت القائم بأمر الله ليلا إلى الترب بالرصافة وفي شوال منها وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعرية وذلك أن ابن القشيرى قدم بغداد فجلس يتكلم في النظامية وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم وساعده أبو سعد الصوفي ومال معه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وكتب إلى نظام الملك يشكو إليه الحنابلة ويسأله المعونة عليهم وذهب جماعة إلى الشريف أبي جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة وهو في مسجده فدافع عنه آخرون واقتتل الناس بسبب ذلك وقتل رجل خياط من سوق التبن وجرح آخرون وثارت الفتنة وكتب الشيخ أبو إسحاق وأبو بكر الشاشي إلى نظام الملك في كتابه إلى فخر الدولة ينكر ما وقع ويكره أن ينسب إلى المدرسة التي بناها شئ من ذلك وعزم الشيخ أبو إسحاق على الرحلة من بغداد غضبا مما وقع من الشر فأرسل إليه الخليفة يسكنه ثم جمع بينه وبين الشريف أبي جعفر وأبي سعد الصوفي وأبى نصر بن القشيري عند الوزير فأقبل الوزير على أبي جعفر يعظمه في الفعال والمقال وقام إليه الشيخ أبو إسحاق فقال أنا ذلك الذي كنت تعرفه وأنا شاب وهذه كتبي في الأصول ما أقول فيها خلافا للأشعرية ثم قبل رأس أبي جعفر فقال له أبو صدقت إلا أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما في نفسك فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجة بزك يعني نظام الملك وشبعت أبديت ما كان مختفيا في نفسك وقام الشيخ أبو سعد الصوفي وقبل رأس الشريف أبي جعفر أيضا وتلطف به فالتفت إليه مغضبا وقال أيها الشيخ أما الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل وأما أنت فصاحب لهو وسماع وتغير فمن زاحمك منا على باطلك ثم قال أيها الوزير أنى تصلح بيننا وكيف يقع بيننا صلح ونحن نوجب ما نعتقده وهم يحرمون ويكفرون وهذا جد الخليفة القائم والقادر قد أظهر اعتقادهما للناس على رؤس الأشهاد على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف ونحن على ذلك كما وافق عليه العراقيون والخراسانيون وقرىء على الناس في الدواوين كلها فأرسل الوزير إلى الخليفة يعلمه بما جرى فجاء الجواب بشكر الجماعة وخصوصا الشريف أبا جعفر ثم استدعى الخليفة أبا جعفر إلى دار الخلافة للسلام علية والتبرك بدعائه قال ابن الجوزى وفى ذي القعدة منها كثرت الأمراض في الناس ببغداد وواسط والسواد وورد الخبر بأن الشام كذلك وفي هذا الشهر أزيلت المنكرات والبغايا ببغداد وهرب الفساق منها وفيها ملك حلب نصر بن محمود بن مرداس بعد وفاة أبيه وفيها تزوج الأمير على بن أبي منصور بن قرامز بن علاء الدولة بن كالويه الست أرسلان خاتون بنت داود عم السلطان ألب أرسلان وكانت زوجة القائم بأمر الله وفيها حاصر الاقسيس صاحب دمشق مصر وضيق على صاحبها المستنصر بالله ثم كر راجعاإلى دمشق وحج بالناس فيها الأمير جنفل التركى مقطع الكوفة وممن توفي فيها من الأعيان