ثم دخلت سنة ست وثمانين وأربعمائة
 
فيها قدم إلى بغداد رجل يقال له أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي مرجعه من الحج فنزل النظامية فوعظ الناس وحضر مجلسه الغزالي مدرس المكان فازدحم الناس في مجلسه وكثروا معايشهم وكان يحضر مجلسه في بعض الأحيان أكثر من ثلاثين ألفا من الرجال والنساء وتاب كثير من الناس ولزموا المساجد وأريقت الخمور وكسرت الملاهي وكان الرجل في نفسه صالحا له عبادات وفيه زهد وافر وله أحوال صالحة وكان الناس يزدحمون على فضل وضوئه وربما أخذوا من البركة التي يتوضأ منها ماء للبركة ونقل ابن الجوزي أنه اشتهى مرة على بعض أصحابه توتا شاميا وثلجا فطاف البلد بكماله فلم يجده فرجع فوجد الشيخ في خلوته فسأل هل جاء اليوم إلى الشيخ أحد فقيل له جاءت امرأة فقالت إن غزلت بيدي غزلا وبعته وأنا أحب أن أشتري للشيخ طرفة فامتنع من ذلك فبكت فرحمها وقال اذهبي فاشترى فقالت ماذا تشتهي فقال ما شئت فذهبت فأتته بتوت شامي وثلج فأكله وقال بعضهم دخلت عليه وهو يشرب مرقا فقلت في نفسي ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن فناولني فضله فقال اشربها على تلك النية قال فرزقني الله حفظ القرآن وكانت له عبادات ومجاهدات ثم اتفق انه تكلم في بيع القراضة بالصحيح فمنع من الجلوس وأخرج من البلد وفيها خطب تتش بن ألب أرسلان لنفسه بالسلطنة وطلب من الخليفة أن يخطب له بالعراق فحصل التوقف عن ذلك بسبب ابن أخيه بركيارق بن ملكشاه فسار إلى الرحبة وفي صحبته وطاعته أقسنقر صاحب حلب وبوران صاحب الرها ففتح الرحبة ثم سار إلى الموصل فأخذها من يد صاحبها إبراهيم بن قريش بن بدران وهزم جيوشه من بني عقيل وقتل خلقا من الأمراء صبرا وكذلك أخذ ديار بكر واستوزر الكافي بن فخر الدولة بن جهير وكذلك أخذ همدان وخلاط وفتح أذربيجان واستفحل أمره ثم فارقه الأميران اقسنقر وبوران فسارا إلى الملك بركيارق وبقي تتش وحده فطمع فيه أخوه بركيارق فرجع تتش فلحقه قسيم الدولة اقسنقر وبوران بباب حلب فكسرهما واسر بوران واقسنقر فصلبهماوبعث برأس بوران فطيف به حران والرها وملكها من بعده وفيها وقعت الفتنة بين الروافض والسنة وانتشرت بينهم شرور كثيرة وفي ثاني شعبان ولد للخليفة ولده المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن أبي العباس أحمد المستظهر ففرح الخليفة به وفي ذي القعدة دخل السلطان بركيارق بغداد وخرج إليه الوزير أبو منصور بن جهير وهنأه عن الخليفة بالقدوم وفيها أخذ المستنصر العبيدي مدينة صور من أرض الشام ولم يحج فيها أحد من أهل العراق وممن توفي فيها من الأعيان :