محمد بن محمد بن محمد
 
أبو حامد الغزالي ولد سنة خمسين وأربعمائة وتفقه على إمام الحرمين وبرع في علوم كثيرة وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة فكان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه وساد في شبيبته حتى أنه درس بالنظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين وله أربع وثلاثون سنة فحضر عنده رؤس العلماء وكان ممن حضر عنده أبو الخطاب وابن عقيل وهما من رؤس الحنابلة فتعجبوا من فصاحته وأطلاعه قال ابن الجوزي وكتبوا كلامه في مصنفاتهم ثم إنه خرج عن الدنيا بالكلية وأقبل على العبادة وأعمال الآخرة وكان يرتزق من النسخ ورحل إلى الشام فأقام بها بدمشق وبيت المقدس مدة وصنف في هذه المدة كتابه إحياء علوم الدين وهو كتاب عجيب ويشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب لكن فيه أحاديث كثيرة وغرائب ومنكرات وموضوعات كما يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام فالكتاب الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمرا من غيره وقد شنع عليه أبو الفرج ابن الجوزي ثم ابن الصلاح في ذلك تشنيعا كثيرا وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين وكذلك غيره من المغاربة وقالوا هذا كتاب إحياء علوم دينه وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات وقد زيف ابن شكر مواضع إحياء علوم الدين وبين زيفها في مصنف مفيد وقد كان الغزالي يقول أنا مزجي البضاعة في الحديث ويقال إنه مال آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ للصحيحين وقد صنف ابن الجوزي كتابا على الأحياء وسماه علوم الأحيا بأغاليط الأحيا قال ابن الجوزي ثم ألزمه بعض الوزراء بالخروج إلى نيسابور فدرس بنظاميتها ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها وابتنى رباطا واتخذ دارا حسنة وغرس فيها بستانا أنيقا وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحاح وكانت وفاته في يوم الإثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بطوس رحمه الله تعالى وقد سأله بعض أصحابه وهو في السياق فقال أوصني فقال عليك بالإخلاص ولم يزل يكررها حتى مات رحمه الله