ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وخمسمائة
 
استهلت هذه السنة والخليفة والسلطان محمود متحاربان والخليفة في السرادق في الجانب الغربي فلما كان يوم الأربعاء رابع المحرم توصل جماعة من جند السلطان إلى دار الخلافة فحصل فيها ألف مقاتل عليهم السلاح فنهبوا الأموال وخرج الجواري وهن حاسرات يستغثن حتى دخلن دار الخاتون قال ابن الجوزي وأنا رأيتهن كذلك فلما وقع ذلك ركب الخليفة في جيشه وجيء بالسفن وانقلبت بغداد بالصراخ حتى كأن الدنيا قد زلزلت وثارت العامة مع جيش الخليفة فكسروا جيش السلطان وقتلوا خلقا من الأمراء وأسروا آخرين ونهبوا دار السلطان ودار وزيره ودار طبيبه أبي البركات وأخذوا ما كان في داره من الودائع ومرت خطبة عظيمة جدا حتى أنهم نهبوا الصوفية برباط نهر جور وجرت أمور طويلة ونالت العامة من السلطان وجعلوا يقولون له يا باطني تترك الفرنج وتقاتل الخليفة ثم إن الخليفة انتقل إلى داره في سابع المحرم فلما كان في يوم عاشوراء تماثل الحال وطلب السلطان من الخليفة الأمان والصلح فلان الخليفة إلى ذلك وتباشر الناس بالصلح فأرسل إليه الخليفة نقيب النقباء وقاضي القضاة وشيخ الشيوخ وبعضا وثلاثين شاهدا فاحتبسهم السلطان عنده ستة أيام فساء ذلك الناس وخافوا من فتنة أخرى أشد من الأولى وكان يرنقش الزكوي شحنة بغداد يغري السلطان بأهل بغداد لينهب أموالهم فلم يقبل منه ثم أدخل لأولئك الجماعة فأدخلوا عليه وقت المغرب فصلى بهم القاضي وقرأوا عليه كتاب الخليفة فقام قائما وأجاب الخليفة إلى جميع ما اقترح عليه ووقع الصلح والتحليف ودخل جيش السلطان وهم في غاية الجهد من قلة الطعام عندهم في العسكر وقالوا لو لم يصالح لمتنا جوعا وظهر من السلطان حلم كثير عن العوام وأمر الخليفة برد ما نهب من دور الجند وأن من كتم شيئا أبيح دمه وبعث الخليفة علي بن طراد الزينبي النقيب إلى السلطان سنجر ليبعد عن بابه دبيسا وأرسل معه الخلع والإكرام فأكرم سنجر رسول الخليفة وأمر بضرب الطبول على بابه في ثلاثة أوقات وظهر منه طاعة كثيرة ثم مرض السلطان محمود ببغداد فأمره الطبيب بالإنتقال عنها اإل همذان فسار في ربيع الآخر فوضع شحنكية بغداد إلى عماد الدين زنكي فلما وصل السلطان إلى همذان بعث شحنكية بغداد مجاهد الدين بهروز وجعل إليه الحلة وبعث عماد الدين زنكي إلى الوصل وأعمالها وفيها درس الحسن بن سليمان بالنظامية ببغداد وفيها ورد أبو الفتوح الإسفرايني فوعظ ببغداد فأورد أحاديث كثيرة منكرة جدا فاستتيب منها وأمر بالانتقال منها إلى غيرها فشد معه جماعة من الأكابر وردوه إلى ما كان عليه فوقع بسببه فتن كثيرة بين الناس حتى رجمه بعض العامة بالأسواق وذلك لأنه كان يطلق عبارات لا يحتاج إلى إيرادها فنفرت منه قلوب العامة وأبغضوه وجلس الشيخ عبدالقادر الجيلي فتكلم على الناس فأعجبهم وأحبوه وتركوا ذاك وفيها قتل السلطان سنجر من الباطنية اثنا عشر ألفا وحج بالناس قطز الخادم وممن توفي فيها من الأعيان :

الموضوع التالي


محمد بن عبدالملك

الموضوع السابق


صاعد بن سيار