ملك السلطان نور الدين الشهيد بدمشق
 
وجاءت الأخبار بأن مصر قد قتل خليفتها الظافر ولم يبق منهم إلا صبي صغير ابن خمس شهور قد ولوه عليهم ولقبوه الفائز فكتب الخليفة عهدا إلى نور الدين محمود بن زنكي بالولاية على بلاد الشام والديار المصرية وارسله إليها وفيها هاجت ريح شديدة بعد العشاء فيها نار فخاف الناس أن تكون الساعة وزلزلت الأرض وتغير ماء دجلة إلى الحمرة وظهر بأرض واسط بالأرض دم لا يعرف ما سببه وجاءت الأخبار عن الملك سنجر أنه في أسر الترك وهو في غاية الذل والإخانة وأنه يبكي على نفسه كل وقت وفيها انتزع نور الدين محمود دمشق من يد ملكها نور الدين أرتق وذلك لسوء سيرته وضعف دولته ومحاصرة العامة له في القلعة مع وزيره مؤيد الدولة علي بن الصوفي وتغلب الخادم عطاء على المملكة مع ظلمه وغشمه وكان الناس يدعون ليلا ونهارا أن يبدلهم بالملك نور الدين واتفق مع ذلك أن الفرنج أخذوا عسقلان فحزن نور الدين على ذلك ولا يمكنه الوصول إليهم لأن دمشق بينه وبينهم ويخشى أن يحاصروا دمشق فيشق على أهلها ويخاف أن يرسل مجير الدين إلى الفرنج فيخذلونه كما جرى غير مرة وذلك أن الفرنج لا يريدون أن يملك نور الدين دمشق فيقوى بها عليهم ولا يطيقونه فأرسل بين يديه الأمير أسد الدين شيركوه في ألف فارس ي في صفة طلب الصلح فلم يلتفت إليه مجير الدين ولا عده شيئا ولا خرج إليه أحد من أعيان أهل البلد فكتب إلى نور الدين بذلك فركب الملك نور الدين في جيشه فنزل عيون الفاسريا من أرض دمشق ثم انتقل إلى قريب من الباب الشرقي ففتحها قهرا ودخل من الباب الشرقي بعد حصار عشرة أيام وكان دخوله في يوم الأحد عاشر صفر من هذه السنة وتحصن مجير الدين في القلعة فأنزله منها وعوضه مدينة حمص ودخل نور الدين إلى القلعة واستقرت يده على دمشق ولله الحمد ونادى في البلد بالأمان والبشارة بالخير ثم وضع عنهم المكوس وقرئت عليهم التواقيع على المنابر ففرح الناس بذلك وأكثروا الدعاء له وكتب ملوك الفرنج إليه يهنونه بدمشق ويتقربون إليه ويخضعون له وممن توفي فيها من الأعيان :