ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة
 
في صفر منها حاصرت الفرنج مدينة دمياط من بلاد مصر خمسين يوما بحيث ضيقوا على أهلها وقتلوا أمما كثيرة جاءوا إليها من البر والبحر رجاء ان يملكوا الديار المصرية وخوفا من استيلاء المسلمين على القدس فكتب صلاح الدين إلى نور الدين يستنجده عليهم ويطلب منه أن يرسل إليه بإمداد من الجيوش فإنه إن خرج من مصر خلفه أهلها بسوء وإن قعد عن الفرنج أخذوا دمياط وجعلوها معقلا لهم يتقوون بها على أخذ مصر فأرسل إليه نور الدين ببعوث كثيرة يتبع بعضها بعضا ثم إن نور الدين اغتنم غيبة الفرنج عن بلدانهم فصمد إليهم في جيوش كثيرة فجاس خلال ديارهم وغنم من أموالهم وقتل وسبي شيئا كثيرا وكان من جملة من ارسله إلى صلاح الدين أبوه الأمير نجم الدين أيوب في جيش من تلك الجيوش ومعه بقية أولاده فتلقاه الجيش من مصر وخرج العاضد لتلقيه إكراما لولده وأقطعه اسكندرية ودمياط وكذلك لبقية أولاده وقد أمد العاضد صلاح الدين في هذه الكائنة بألف ألف دينار حتى انفصلت الفرنج عن دمياط وأجلت الفرنج عند مياط لأنه بلغهم أن نور الدين قد غزا بلادهم وقتل خلقا من رجالهم وسبى كثيرا من نسائهم وأطفالهم وغنم من أموالهم فجزاه الله عن المسلمين خيرا ثم سار نور الدين في جمادى الآخرة إلى الكرخ ليحاصرها وكانت من أمنع البلاد وكاد أن يفتحها ولكن بلغه أن مقدمين من الفرنج قد أقبلا نحو دمشق فخاف ان يلتف عليهما الفرنج فترك الحصار واقبل نحو دمشق فحصنها ولما أنجلت الفرنج عن دمياط فرح نور الدين فرحا شديدا وأنشد الشعراء كل منهم في ذلك قصيدا وقد كان الملك نور الدين شديد الاهتمام قوي الاغتمام بذلك حتى قرأ عليه بعض طلبة الحديث جزءا في ذلك فيه حديث مسلسل بالتبسم فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل فامتنع من ذلك وقال إني لأستحي من الله أن يراني مبتسما والمسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط وقد ذكر الشيخ أبو شامة أن إمام مسجد أبي الدرداء بالقلعة المنصورة رأى في تلك الليلة التي أجلي فيها الفرنج عن دمياط رسول الله ص وهو يقول سلم على نور الدين وبشره بان الفرنج قد رحلوا عن دمياط فقلت يا رسول الله بأي علامة فقال بعلامة ماسجد يوم تل حارم وقال في سجوده اللهم انصر دينك ومن هو محمود الكلب فلما صلى نور الدين عنده الصبح بشره بذلك وأخبره بالعلامة فلما جاء إلى عند ذكر من هو محمود الكلب انقبض من قول ذلك فقال له نور الدين قل ما أمرك به رسول الله ص فقال صدقت وبكى نور الدين تصديقا وفرحا بذلك ثم كشفوا فإذا الأمر كما أخبر في المنام قال العماد الكاتب وفي هذه السنة عمر الملك نور الدين جامع داريا وعمر مشهد أبي سليمان الداراني بها وشتى بدمشق وفيها حاصر الكرك أربعة أيام وفارقه من هناك نجم الدين أيوب والد صلاح الدين متوجها إلى ابنه بمصر وقد وصاه نور الدين أن يأمر ابنه صلاح الدين أن يخطب بمصر للخليفة المستنجد بالله العباسي وذلك أن الخليفة بعث يعاتبه في ذلك وفيها قدم الفرنج من السواحل ليمنعوا الكرك مع ثبيب بن الرقيق وابن القنقري وكانا اشجع فرسان الفرنج فقصدهما نور الدين ليقابلهما فحادا عن طريقه وفيها كانت زلزلة عظيمة بالشام والجزيرة وعمت أكثر الأرض وتهدمت أسوار كثيرة بالشام وسقطت دور كثيرة على أهلها ولا سيما بدمشق وحمص وحماه وحلب وبعلبك سقطت أسوارها واكثر قلعتها فجدد نور الدين عمارة أكثر ماوقع بهذه الأماكن و فيها توفي الملك قطب الدين مودود بن زنكي