ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
 
فيها أمر الملك الناصر ببناء قلعة الجبل وإحاطة السور على القاهرة ومصر فعمر قلعة للملك لم يكن في الديار المصرية مثلها ولا على شكلها وولي عمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش مملوك تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وفيها كانت وقعة الرملة على المسلمين وفي جمادى الأولى منها سار السلطان الناصر صلاح الدين من مصر قاصدا غزو الفرنج فانتهى إلى بلاد الرملة فسبى وغنم ثم تشاغل جيشه بالغنائم وتفرقوا في القرى والمحال وبقي هو في طائفة من الجيش منفردا فهجمت عليه الفرنج في جحفل من المقاتلة فما سلم إلا بعد جهد جهيد ثم تراجع الجيش إليه واجتمعوا عليه بعد أيام ووقعت الأراجيف في الناس بسبب ذلك وما صدق أهل مصر حتى نظروا إليه وصار الأمر كما قيل رضيت من الغنمية بالإياب
ومع هذا دقت البشائر في البلدان فرحا بسلامة السلطان ولم تجر هذه الوقعة إلا بعد عشر سنين وذلك يوم حطين وقد ثبت السلطان في هذه الوقعة ثباتا عظيما وأسر للملك المظفر تقي الدين عمر بن أخي السلطان ولده شاهنشاه فبقي عندهم سبع سنين وقتل ابنه الآخر وكان شابا قد طر شاربه فحزن على المقتول والمفقود وصبر تأسيا بأيوب وناح كما ناح داود وأسر الفقيهان الأخوان ضياء الدين عيسى وظهير الدين فافتداهما السلطان بعد سنتين بتسعين ألف دينار وفيها تخبطت دولة حلب وقبض السلطان الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين على الخادم كمشتكين وألزمه بتسليم قلعة حارم وكانت له فأبى من ذلك فعلقه منكوسا ودخن تحت أنفه حتى مات من ساعته وفيها جاء ملك كبير من ملوك الفرنج يروم أخذ الشام لغيبة السلطان واشتغال نوابه ببلدانهم قال العماد الكاتب ومن شرط هدنة الفرنج أنه متى جاء ملك كبير من ملوكهم لا يمكنهم دفعه أنهم يقاتلون معه ويؤازرونه وينصرونه فإذا انصرف عنهم عادت الهدنة كما كانت فقصد هذا الملك وجملة الفرنج مدينة حماة وصاحبها شهاب الدين محمود خال السلطان مريض ونائب دمشق ومن معه من الأمراء مشغولون ببلدانهم فكادوا يأخذون البلد ولكن هزمهم الله بعد أربعة أيام فانصرفوا إلى حارم فلم يتمكنوا من أخذها وكشفهم عنها الملك الصالح صاحب حلب وقد دفع إليهم من الأموال والأسرا ما طلبوه منه وتوفي صاحب حماه شهاب الدين محمود خال السلطان الناصر وتوفي قبله ولده تتش بثلاثة أيام ولما سمع الملك الناصر بنزول الفرنج على حارم خرج من مصر قاصدا بلاد الشام فدخل دمشق في رابع عشر شوال وصحبته العماد الكاتب وتأخر القاضي الفاضل بمصر لأجل الحج وفيها جاء كتاب القاضي الفاضل الناصر يهنئه بوجود مولود وهو أبو سليمان داود وبه كمل له اثنى عشر ذكرا وقد ولد له بعده عدة أولاد ذكور فإنه توفي عن سبعة عشر ذكرا وابنة صغيرة اسمها مؤنسة التي تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وفيها جرت فتنة عظيمة بين اليهود والعامة ببغداد بسبب أن مؤذنا اذن عند كنيسة فنال منه بعض اليهود بكلام أغلظ له فيه فشتمه المسلم فاقتتلا فجاء المؤذن يشتكي منه إلى الديوان فتفاقم الحال وكثرت العوام واكثروا الضجيج فلما حان وقت الجمعة منعت العامة الخطباء في بعض الجوامع وخرجوا من فورهم فنهبوا سوق العطارين الذي فيه اليهود وذهبوا إلى كنيسة اليهود فنهبوها ولم يتمكن الشرط من ردهم فأمر الخليفة بصلب بعض العامة فأخرج في الليل جماعة من الشطار الذين كانوا في الحبوس وقد وجب عليهم القتل فصلبوا فظن كثير من الناس أن هذا كان بسبب هذه الكائنة فسكن الناس وفيها خرج الوزير الخليفة عضد الدولة ابن رئيس الرؤساء ابن المسلمة قاصدا الحج وخرج الناس في خدمته ليودعوه فتقدم إليه ثلاثة من الباطنية في صورة فقراء ومعهم قصص فتقدم أحدهم ليناوله قصة فاعتنقه وضربه بالسكين ضربات وهجم الثاني وكذلك الثالث عليه فهبروه وجرحوا جماعة حوله وقتل الثلاثة من فورهم ورجع الوزير إلى منزله محمولا فمات من يومه وهذا الوزير هو الذي قتل ولدي الوزير ابن هبيرة وأعدمهما فسلط الله عليه من قتله وكما تدين تدان جزاء وفاقا وممن توفي فيها من الأعيان :

الموضوع التالي


صدقة بن الحسين

الموضوع السابق


الخطيب شمس الدين